مصراوي 24 رئيس مجلس الإدارةأحمد ذكي
الأحد 19 مايو 2024 08:12 صـ 12 ذو القعدة 1445 هـ

اليوم ذكرى رحيل عبد الرحمن الخميسي

هو ” القِديسُ المَنْسى ” و ” جَبَلُ الفَّنِ المُتَحّرِكْ ” الروائى و الصَحَفى و الشّاعِرْ و المُخْرِجْ و الكاتِبْ الكَبيرْ و المُمَّثِل المُتَمَّيزْ ” عَبْدْ الرَّحْمَن عبد المَلك الخَميسى مُرَّادْ ” الشَّهير بعبد الرَّحْمَن الخَميسى و الذى يُعد واحدّاً مِن أبْرَزِ ظُرفاء عَصْرِه و كانَ يُشَّكِلَ مع أصدقائِهِ ” كامل الشِناوى ” و الشّيخ ” عبد الحَميد قطامش ” و ” حنفى مَحمود باشا قُطب ” حِزب الأحرار الدُستوريين و الشاعِر طاهر أبو فاشا حالَة مِن الزَخَمِ الوِجدانى و الإجْتماعِى فى القاهِرة قبل ثّورة يوليو و بعدها و كان يُحبَ إيقاعَ أصدقائِه فى المَقالب و المَواقف الكوميديّة و يَستّخدم موهبته فى ذلك للقَصاصِ مِمَن يواجِهونَه أو يوقِعونَه فى المَشَّاكِل كما كان له شَّخصية قياديَّة هَوَّنَتْ عليه كثيرّاً سَنوات سَجنِهِ و جَعلتُه يتّحكَمَ فى أوقاتِه داخل السُجونِ و المُعْتّقلات التى قَيّدت حَرَكته بسببِ دوره السياسى المُعارِض و آرائه ضِد نِظام الرئيس السادات و ضِد مُمارَساتِ بعضِ رجال عبد الناصر مِن قبله و بلا شكٍ فقد كان الخَميسى مِن قِمَمِ العُظماء فى الزّمَنِ الأصيل مُنذ سِتينيات و سّبعينيات و ثَمانينات القّرْنِ الماضى علاوة أنّهُ لم يَتَعَرّضَ لأى انتقاداتٍ عَلى المُستَوى الشّخصى مِثل الكثيرين مِن أبناءِ جيلهِ و هو ما يّكْمُنُ فى نّظرتِهِ إلى ذاتِه طوالَ الوقتِ بِطريقَةٍ بها ثِقة بالنَفْس و شُموخٍ مّمزوجٍ بدرجةٍ عاليّةٍ من الشَفافية و الصَراحة و الوضوح و الحقُ يُقال أن عبد الرحمن الخميسى كان كاملاً فى بهائِه و مُتوَّجاً بتاج ثقيلٍ تُرصِّعُه آلافُ اللآلئ و فى قلبِ كلِّ لؤلؤة مّشهدٍ و فكرةٍ و بيتُ شعرٍ و قلبِ شاعرٍ و روحِ أديبٍ و ليالٍ طوالٍ من الكفاحِ و السَّهر و السَفر حتى وصَلَ على عَربة مَلّكية تجرُّها خُيولٌ عربيةٌ قُدَّت مِن ماء الشِّعر و الملاحم و الأساطير فتعلّقتِ الأبصارِ بشّخصيته التى تحملُ إرثّاً هائلاً مِن فرائدِ رفيعة فى الفِكر و الأدب و النِضال التى لا يقوى على مُطارحتها إلا ذوو البأس و ذوو المَوهِبة مِن الحَقيقيين الذين لا تُدثِّرُهم قشورُ الزَّيف و غُلالاتُ الادّعاء فقليلون جدّاً من الشامخين الذين مّرور علينا بأعمالِهِمْ المُمّيزة يّسكنون القلب و لا يُغادرون و يغيبون و لكن تزورنا أطيافهم و نحنُ نائمون و قد يجهلون بأن لهُم فى عُيوننا قُصور و رموشنا لهم يّحرسون و هم الى أعماقنا أقربُ ما يتّخيلون و كان عبد الرحمن الخميسى بالتأكيد على رأس هؤلاء القليلين الذين تركوا بّصمة غائِرة فى قُلوبنا قبل أن يّتركوها فى ذاكرة مِصر و العالم العَربى أيضّاً .. ولد عبد الرحمن الخميسى فى 13 / 11 / 1920م فى مَدينة بورسعيد الباسِلة لأم حَضرية و أب فلاح مُتوسط الحالِ مِن قرية مِنية النَصر بمدينة المَنصورة ثم انفصلا الوالدين و كان الخميسى لايزال طِفلاً فلما بلغ السادِسة أرسلَهُ والده إلى مَدرسة فى قرية الزرقا ثم لمّدرسة القُبة الثانوية بالمَنصورة لكنه لم يُكمِل دراسته بها و حين كان فى العاشِرة حَشَدَ الصِبيّة فى قريتِهِ ذاتَ ليلة و اتَجَهَ بِهم إلى مَقابر الأثرياء فى القريّة لخلع أخشاب المقابر من أجل بناءٍ مّسرحٍ للفقراء ! و فى سن مُبّكِرة بدأ يكتُب الشِعر و يُرسل قصائدِه من المّنصورة فتنشرها كُبرى المّجلات الأدبية حينذاك مثل « الرسالة » لأحمد حسن الزيات و « الثقافَة » لأحمد أمين ثُم قرَرَ الخميسى الانتقالِ للقاهِرة عام 1936م و لم يكن له بها سند أو قريب و فيها أجبرته الظروف على العمل بائعّاً بمحل بقالة و كُمسارى و مُصحِحّاً بِمطبعَة و مُعلمّاً بمّدرسة أهلية و نام على أرائك الحَدائِقٍ ثم جابَ الريف مع فِرقة ” أحمد المسيرى ” المّسرحية الشعبية و كان عند رجوعِ الفِرقة مِن جولاتها يكتُب الأغانى فى شارع محمد على باسم مؤلفين آخرين نظير مبلغ زهيد و فى بداية الأربعينات تأثر بكاتبين عِملاقين الأول الشاعر الكبير ” خليل مطران ” و الثانى ” سلامة موسى ” الذى قاده إلى الفِكر الاشتراكى فيما دخل عالم الصَحافة فى وقت مُتأخر و كَتَبَ فى جريدة المصرى قبل ثورة 1952 و أصبح خلالِ سَنواتٍ قليلة « أكثر الكتاب شّعبية » و كان يكتب عَمودّاً ثابتّاً بعُنوان « مِن الأعماقِ » و لَمَعَ كشاعرّاً رومانسيّاً و بعد قيامِ ثورة يوليو 1952م تم اعتقاله بين عامى 1953م و 1956م بتُهمّة المّيل للفِكرِ الشُيوعىِ ! و انتقل بعد خُروجه من المُعتّقل للعَملِ فى جَريدة الجُمهورية و تم نقلِه بشكلٍ تعّسُفىٍ لاحقّاً للعَمَلِ فى وزارة التّموين ! ثُم قام الخَميسى بعد ذلك بتّكوين فرقة مّسرحيّة باسمِه و كتب سيناريوهات و أخَرَجَ أربعة أفلام و وضعَ الموسيقى التّصويرية لها و انتج ثلاثةِ مِنها و هذه الافلامُ هى ” الجزاء ” عام 1965م بُطولة حسين الشربينى و شمس البارودى و ” عائلات مُحترمة ” عام 1968م بُطولة ” حسن يوسف ” و ” ناهد شريف ” و “عبد المنعم ابراهيم ” و عدلى كاسب ثم قَدّمَ فى عام 1970م فيلم ” الحُب و الثَمن ” لأحمد مظهر و زيزى البدراوى و صلاح السّعدنى ثم فيلم ” زهرة البنفسج ” و الذى قام ببُطولته عادل امام و زبيدة ثروت كما كتب فيلم ” حسن و نعيمة ” الذى اخرجه بركات و قدم فيه الخميسى ” مُحَرّم فؤاد ” و ” سُعاد حسنى ” لأول مّرة كما قدم الى جوارهما فى الأفلام السابقة الكثير من الوجوه الجَديدة الذين أضحوا بعد ذلك نُجومّاً فى السينما المِصرية مِنهم ” صلاح السعدنى ” و ” حسين الشربينى ” و ” شمس البارودى ” و ” مديحة كامل ” و قد كان أقل أفلام الخميسى جودة ‘‘ زهرة البنفسج ‘‘ حيثُ لم يستمر فى دور العَرض أكثَرَ مِن 3 أيام ! أما أفضل أفلامِه فكان ” عائلاتٍ مُحترمَة ” َو اشتهر كمُمثل بدور الشيخ يوسُف فى فيلم ” اﻷرض ” مع المُخرج يوسف شاهين و لَمَعَ الخميسى أيضاً كشاعرّاً من شُعراء الرُومانسية و مدرسة أبوللو بروادِها الكبار ” على محمود طه ” و ” محمود حسن إسماعيل ” و ” إبراهيم ناجى ” و ” غيرهم ” ثُم انتّقل إلى تّعريبِ الأوبريتات فى تجرُبة كانت الأولى من نوعِها فى تاريخِ المّسرح الغنائى خاصة أوبريت ” الأرملة الطّروب ” و أوبريت ” حياة فنان ” و تم عرضِه فى دار الاوبرا عام 1970م و هو من تأليف الكاتب الإنجليزى ” إيفون نوفيلل ” و قد قام الخميسى بتّعريبه ليَقوم ببُطولتِه الفنان ” حَسن كامى ” كما قدّم أوبريت ” مَهر العروسة ” من تّلحينِ الموسيقار بليغ حمدى و إلى جانب ذلك كله كان الخَميسى يواصلَ دوره الصحفى و الأدبى فى مَجال القِصة و الشِعر و بعد عَودتِه إلى جَريدة الجُمهوريّة لاستئناف الكِتابة كان أول ما نَشَرَهُ سِلسِلةٍ مِن المَقالاتِ تّمَ مَنع نشر ما تَبّقى منها بآوامرٍ رئاسيّة ! و بعدها هاجَرَ الخَميسى مِن مِصر فى رحلةٍ طويلة مِن بيروت إلى بَغداد و مِن بغداد إلى ليبيا و مِنها إلى روما ثم باريس ثم موسكو التى حَصُلَ فيها على ” نَجمة لينين ” و كان صديقاً لعددٍ كبيرٍ من المُبدِعين و الشُعراء السوفيت و التقى بـ ” بريجينيف ” و بعالمِ الفضاء ” جاجارين ” الذى أفْرَدَ فى مُذكراتِه جُزءً كَبيرّاً للحَديثِ عن شّخصيته و قُدرتِهِ على اجتِذاب الأصْدقاء .. يُذكر أخيرًّ أن أنجب الخَميسى من الأبناء ” 13 ” و هُم بالتّرتيب ” عبد المَلكِ ” النَجل الأكبر ( و الد المُمثلة لقاء الخميسى ) ثم ” أحمد ” و ” ضياء ” و ” فتحى ” ثم ” عزة ” ثم ” عائشة ” ثم ” منى ” و له أربعة أبناءٍ من سّيدَةٍ أخرى هم ” عبد الرحمن ” و ” جهاد ” و ” عُرابى ” و ” طارق ” ثم اثنان من سّيدة رابِعة هما ” خالد ” و ” هند “.. للأسف الشَديد لم يَحصُل الخَميسى على أىِ جَوائزٍ مِصريّة ! حتى كِتابَة هذه السُطور فهل تَرُدُ له الأوبرا فى يومّاً ما الاعتبار و يُكتَبُ اسمة على أوبرا « الأرملة الطَروب » ؟ و هل يقوم المَجلس الأعلى للثقافةٍ بتّكريمة ؟ و هل يُطالب اتحاد الكُتّاب باطلاقِ اسمِة على أحدِ شَوارع المّنصورة ؟ و هل تقومُ الجامعاتُ بدِراسة أدبة عِلمّاً بأن هناك عَشَرَاتُ الدِراساتِ العِلميّة عَنهُ فى جامعاتِ موسكو و فرنسا و أمريكا ! و لكن لا أعْتَقِدَ حيثُ لا كَرامَةَ لنَبىٍ فى وَطَنِهِ الذى تغّرَبَ عَنهُ و ظّلَ يقضى ماتَبّقى له مِن سَنواتِ حياتِه خارجه حَتى وفاته فى 1 / 4 / 1987م و تم نقل جُثمانه ليُدفّن فى مدينة المّنصورة حسب وصيته الأخيرة بعد أن قال لنجلِه أحمد ” أسمع يا أحمد إذا حلت بى نهايتى فقُم بِدفنى إلى جوارِ شجرةِ فى المَنصورة أو أزرع لى شجرةٍ إلى جوارِ قبرى لأننى سأعودُ عُصفورّاً طليقّاً جَريحّاً كما بدأتُ و لابُد أن أجد لى مَكانّاً حتى اُغنى مِن فوقِ أغصانِه ” .. رَحِمَ الله عَبْدْ الرّحْمَن الخميسى و تَجاوَزَ عن سَيئاتِهِ و أسْكَنَهُ فسيح جنّاتِهِ .