الجيش محــــور سياسة محمد علي الإصلاحية
كان الجيش محــــور سياسة محمد علي الإصلاحية ، و كانت أول محاولة لإعداد ضباط نظاميين للجيش في 1815 م ، عندما أمـــــر بتدريب فـــــرقة من الجنود التي اشتركت في حــــــــروب الوهابيين، إلا أن أفرادها رفضـــــوا الخضـــــوع للتدريب النظامي الي أن
بلغ بهم الأمــر حد التأمــــــر علي خلع محمد علي ، و من ثم تراجعوا عن المحاولة.
و في عام 1820 م كرروا المحاولة مـــــرة أخري ، فقاموا بفتح مدرسة لهذا الغرض في أســـــوان بعيدا عن جــــــو المؤامــــرات في القاهرة ، و استقدموا للمدرسة ضباطاً و معلمين ذوي خبرة من الأوربيين و أعتمدوا علي أحد ضباط الجيش الفرنسي كولونيل سيف ( سليمان باشا الفرنساوي)............
و لقد لاقي الكولونيل سيف متاعب كثيرة في تدريب عسكر المماليك علي النظام و الطاعة المطلقة حتي لقد فكـــــروا في اغتياله أكثر من مـــــرة، حتي انتهي من تدريبهم بعد ثلاث سنوات و تكونت بهم الهيئة الأولي للضباط...........
أما بالنسبة للجنــــود فقد فكر محمد علي في الاستعانة بالســــــودانيين كجنود في الجيش، و لكن التجــــــربة باءت بالفشل إذ مات معظمهم لعدم ملاءمة الجو لهم ، فقرر الاستعانة بالمصــــــــــــريين، و تمت التجربة بنجاح في 1824 م ..........
و لما اتسعت دائرة التجنيد، استقدم محمد علي من فرنسا طائفة من الضباط الأجانب ليعاونـــــوه علي تنظيم الجيش. كما أرسل عددا من الشبان إلي أوربا لإتمام دروسهم الحـــــــربية، و عندما عادوا حلوا محل المعلمين الأجانب في المدارس الحــــــربية.
بدأ ظهـــور البحـــــــرية المصــــــرية في أوائل عام 1810 م عندما شــــرع محمد علي في الدخول في الحــــــروب الوهابية و ذلك بسبب الحاجة لنقل الجنود إلي الحجاز عن طريق البحر الأحمر. و علي هذا أنشأ ترســـــانة في بولاق ثم في الاسكندرية لصناعة السفن الحـــــربية و التجارية بعد ذلك
كما أنشأ محمد علي معسكرا لتعليم البحـــارة من الجنود الأعمال البحـــرية ، و أقام مستشفي بحــــرية و مدرسة بحــــــرية علي ظهر إحدي السفن العسكرية لإعداد الضباط البحــــــريين.... كما أرسل البعثات من الضباط البحــــــريين إلي فرنسا و انجلترا لإتمام علومهم عمليا علي ظهــــــــر السفن الحـــــربية الأوربية.
أراد محمد علي أن يستغني عن استيراد السلاح من الخارج حتي لا تبقي قــــوة الدفاع المصـــــرية تحت رحمة الدول الأجنبية، فقام بانشاء ترسانة في القلعة لصنــــع الأسلحة
و صب المدافع و مصنعين للبارود بالحــــوض المرصود و المقياس بجزيرة الروضة.
كما عمل علي إقامةالجسور للدفاع عن ثغور البلاد و العاصمة فأصلح قلعة صلاح الدين و بني علي مقــــــربة منها قلعة محمد علي ....و قلاع الاسكندرية و رشيد و دمياط.
كان محمد علي كرجل عسكري و محــــــارب أساسا يدرك أهمية القوة العسكرية في مظاهــــــــرها المختلفة ، و من هنا اتجه إلي بناء قوة عسكرية ذاتية نظامية.......
كان نظام الحكم في عهد محمد علي في جوهــــــره يقوم علي فكرة الحكم الفــــردي المطلق. غير أن محمد علي وضع للحكومة نظاما انطلاقا من فكرة الدواوين الاستشارية التي أقامتها الحملة الفرنسية و تمشيا مع أفكاره في البناء و الإصـــــــــلاح.
كون محمد علي الديوان العالي و تنحصـــــــر مهامه في التداول مع أعضائه في الشئون المتعلقة بالحكومة قبل الشـــــــروع في تنفيذها، و لرئيس الديوان ، نائب محمد علي ، سلطة واسعة في كافة شئـــــــــون الحكومة.
كما كون محمد علي الدواوين لكل فرع من أعمال الحكومة ، مثل ديوان الحـــــــــــــربية ،
و ديوان التجارة ، و ديوان الخارجية، و ديوان المدارس.
و نتيجة لتوسع شئون الحكومة و تعدد مهامها ، كون محمد علي المجلس العالي و الذي هو الأن مجلس الوزراء، و يتألف من نظام الدواوويــــــن و رؤساء المصالح ، و ضم إليه اثنان من الأعيان عن كل مديرية و اثنان لشئون الحسابات...............
و في عام 1829 م أقام محمد علي مجلس المشورة ( الشـــــــوري)، و يتألف من كبار موظفي الحكومة و العلماء و الأعيان، و كان أشبه بجمعية عمـــــــومية نيابة عن الأمة و يتألف من 146 عضـــــوا علي النحو التالي 23 من كبـــــار الموظفين و العلماء، 24 من مأمــــــوري الأقاليم و 99 من كبار أعيان القطــــــــر، و سلطته استشارية في مسائل الإدارة و التعليم و الأشغال العمومية.
و في عام 1837 م أصدر محمد علي القانون الأساسي لتنظيم العلاقات بين الدوائر
الحكومية و اختصاصاتها ، و في أواخـــــــــر حكمه عام 1847 م ألف ثلاث مجالس جديدة هيالمجلس المخصوص للنظــــــر في شئــون الحكومة الكبري و تشــريع اللوائح و القوانين، و المجلس العمومي و الجمعية العمومية للنظــــــــــــر في شئون الحكومة العمومية التي تحال إلي كل منهما.............
عدل محمد علي التقسيم الإداري لمصـــــر فقسم مصـــــر إلي سبع مديريات ، منها أربع في الوجه البحـــــري و هي: البحيرة و المنوفية و الدقهلية و الشرقية ، علاوة علي محافظتي الأسكندرية ومصــــــر ، وواحدة في مصـــــر الوسطي و هي : بني سويف و الفيوم معاً ، و اثنتان في الصعيد و هما: المنيا و إسنا.
و قسم محمد علي كل مديرية إلي عدة مراكز ، و كل مركز إلي عدة أقسام ، و كل قسم إلي عدة نواح.
محمد علي هو أول من سمي رئيس المديرية ...مديرا..... و رئيس المركز ....مأمورا.....
و رئيس القسم .....ناظرا .... .أما رئيس الناحية فسمي.....شيخ البلد..... و أوجد لكل ناحية مستخدما سماه ......الخولي..... ووظيفته مراقبة الزراعة و مسح الطين، و أخر يقال له .....صــــــــــراف........ لجمع الأموال و توريدها للمأمــــــــــور.
كان المديرون كلهم اتراكا أو مماليك، و كان معظم المأمـــــورون من أبناء مصــــــر و كذلك النظار ، أما شيوخ البلد فكانوا فلاحيــــــــــن. و كان الخوليون و الصيارفة كلهم من المصريين الأقباط.........نظم محمد علي الاقتصاد المصـــــــري في الزراعة و الصناعة و التجارة علي قاعدة الاحتكار ، بمعني أن تقوم الحكومة بوضع خطط الزراعة و الصناعة و التجارة مثل تحديد نوع الغلات التي تزرع، و نوع المصنـــــوعات التي تنتج، و تحديد أثمان شــرائها من المنتجين و أثمان بيعها في الســـــــوق. فالاحتكار بمعني أخــــر هو نوع من التوجيه الاقتصادي تحت إشـــــــــــــراف الدولة.
ففي الزراعة قام محمد علي في خلال فترة لا تتعدي ست سنوات بتغيير أوضـــاع الزراعة و الملكية الزراعية كلية ،1) فقد قام بإلغاء نظـــــام الالتزام الذي كان رمــــزا للظلم الإجتماعي و الإقتصادي الذي مارسه الملتزمين ضد الفلاحيــــن. 2) كما قام محمد علي بمصادرة أراضي الملتزمين و قام بتسجيلها باسم الدولة، 3) كما ضبطت أراضي الأوقاف لصالح الدولة،4) و كذلك المساحات التي عجز أصحابها عن إثبات حيازتهم لها.
5) بعد ذلك أعاد محمد علي توزيع مساحات الأرض علي الفلاحين بحيث خص كل أسرة
ما بين 3-5 أفدنة حسب قدرة كل منها، و ذلك للانتفاع بها بشرط دفع ما تقرره الحكومة من ضــــــرائب و أمــــــوال، و لا تنزع الأراضي من المنتفع إلا إذا عجز عن دفع ما عليها من أموال.... لقد أدت هذه الإجــــــراءات في ملكية الأراضي إلي ظهور 3 أنواع من الملكية الزراعية:ـــ الملكية الكبيرة و هي{{ الأبعادية و الجفالك}} و هي أراض واسعة أنعم بها محمد علي علي أفــــراد أسرته و كبار الحاشية و بعض الأجانب و رؤساء قبائل البدو.
{{و الملكية المتوسطة}} و هي أراضي الوسية التي كانت للملتزم حيث تركها له محمد علي يحتفظ بها طـــــوال حياته و أراضي المسموح و هي أراضي أعطاها محمد علي لمشايخ البلاد و كبار الأعيان بنسبة 5% من زمام القــــرية معفاة من الضرائب مقابل الخدمات التي يقومــــــون بها للحكومة من حيث استضافة موظفي الحكومة في المهام المختلفة. أما {{ الملكية الصغيرة}} فهي ملكية الانتفاع للفلاحين من 3-5 أفدنة لكل أســــــــرة....... كما قام محمد علي بتطوير الزراعة عن طــريق : إحلال أساليب زراعية جديدة من شأنها زيادة الانتاج و تقليل الجهد، و استقدم مدربين ماهــــرين من كل مكان
و حدد الواجبات و المسؤليات. و كذلك الاهتمام بالتعليم الزراعي حيث استقدم الخبراء الزراعيين من الخارج و أنشأ مدرسة للزراعة.
او كانت كل محاصيل الأراضي الزراعية تباع للحكومة، التي تقوم بتوريد جزء منها لمصانعها
و أســـــواقها. و جزء أخــــــــر للوكلاء الأوروبيين تمهيدا لتصديرها للخارج .......
و كذلك قام بتحسين طرق الري عن طريق شق ترعة المحمودية و الخطاطبة في البحيرة ، و مد ترعة الجعفرية و ترعتا مسد الخضراء ، و البقيدي في الغربية ،و النعناعية و السرساوية و الباجورية في المنوفية و غيرها من الترع في وجه بحري. كما قام بأجل أعماله علي الاطلاق في الزراعة بإنشاء القناطر الخيرية ، و نتج عن ذلك تحويل أراضي الوجه البحري إلي ري دائم........
كما أدخل أنواع جديدة من الغلات الزراعية مثل أشجار التوت لتربية دود القز و نبات النيلة الهندية و تحسين زراعة القطن حتي بدأت مصر في تصديره من عام 1827 م......
سنة 1827 – 344 الف قنطار، واصبح القطن ثروة مصــــــــــــــــر الزراعية. وقد احتكرت الحكومة بيع قطن القطر المصري باكمله فكان الفلاح الذي يزرع القطن لا يتصرف في محصوله الا بالبيع للحكومة والحكومة تشتري القنطار الذي زنته 120 رطلا بثمن يتراوح بين 112 و150 أو 175 قرشا، وعلى البائع ان ينقل قطنه الى المخازن (الشون) التي انشأتها الحكومة لهذا الغرض في عواصم المراكز والمديريات، ويخصم من الثمن قيمة ما على الفلاح من الضرائب اذا لم يكن سددها من قبل، وقد اقبل الفلاحون على زراعة القطن بعد ان رأوا الحكومة تشتري القنطار من النوع الجيد ب175 قرشا، كانت زراعة الزيتون قبل عصر محمد علي نادرة في مصر، فلم تكن تغرس اشجاره الا في مديرية الفيوم وفي بعض الحدائق بضواحي القاهرة، ففكر في الاستكثار من اشجار الزيتون لاستخراج الزيت من ثمره، ولكونه غذاء صالحا للجنود، وخاصة بحارة الاسطول. كانت زراعة النيلة معروفة في مصر وبقيت على حالتها القديمة لغاية سنة 1826 الى ان جلب محمد علي في تلك السنة بزور النيلة الهندية، واستحضر بعض الهنود الاخصائيين في زراعتها، فاخذت زراعتها في النمو والتقدم، واستحضرت الحكومة من ازمير بعض الارمن الذين مارسوا زراعة الافيون وخصصتهم لزراعته في مصر.