لماذا طمعت انجلترا في احتلال مصر
لقد عرفنا كما سبق في الحلقه السابقة أن محمد علي نظم الأقتصاد المصرى فى الزراعة والصناعة والتجارة على قاعدة الأحتكار...والاحتكار يعنى ان تقوم الحكومة ممثلة فى محمد على بتحديد نوع الغلات التى تزرع ونوع المصنوعات التى تنتج وتحديد أثمان شرائها من المنتجين وأثمان بيعها فى السوق وبهذا الأسلوب يضمن محمد على الدخول فى سوق التجارة الدولية منافسا لغيره من الدول. بعد أن أحتكر محمد علي ... تسويق الحاصلات الزراعية في الداخل... و في مجال التجارة الخارجية قامت الدولة بالبيع للتجار الأجانب في الداخل و البيع في الخارج لحساب الحكـــــومة بواسطة وكلاء في المـــــوانئ الأوروبية. و كان محمد علي لا يشجع الأستيراد كثيرا، إذ كان يــــــري كما شــــاهد في أوروبا قبل مجيئه إلي مصر أن الدولة القوية هي التي تزيد صادرتها عن واردتها. و اتسع نطاق تجارة مصـــــــر الخارجية في عهد محمد علي لأزدياد حاصلاتها وخاصة القطن، وقد ربحت الحكومة منها أرباحا طائلة لانها كانت تحتكر التجارة الخارجية بأجمعها... وقد ساعد أنشاء الأسطــــــول في البحــــــر الاحمر والبحر الابيض المتوسط على توسيع نطاق المواصـــلات البحـــرية بين مصر والبلدان الأخــــرى، وكان لأصلاح ميناء الأسكندرية فضل كبير في هذا .. فنشطت التجارة الخارجية نشاطا عظيما.. ومنذ أنشئ أسطول مصـــر في البحر الاحمر فكر محمد علي في أعادة طــــريق التجارة بين الهند وأوروبا عن طريق مصر بعد ان تعطلت زمنا طويلا لأكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح.... فبسط سيادة مصــر في البحر الـحمر وطهره من القرصان الذين كانوا يهددون السفن التجارية فيه، ومد طــريقا لسير قوافل التجارة بين السويس والقاهرة وأنشأ به المحطات وبسط الأمن في مراحله لتأمين القوافل على متاجرها، وأنشأ لذلك ديوانا سمي بديوان المــــرور كان مقــــره بالأزبكية، وكانت المتاجـــــــر القادمة من البحر الأحمر ترسل من السويس الى النيل ثم الى الأسكندرية فأعاد الأتصال القديم بين الشرق وأوروبا عن طريق مصـــــــــــــــــر. وقد لفت هذا الطريق أنظار الشركة الهندية الأنجليزية ورأته أمن وأقصر من طريق رأس الرجاء الصالح وطــــريق البصـــــرة والفـــرات وحلب والأسكندرونة، فأتفقت مع الحكومة المصــــرية على نقل طــرود البريد للمسافرين عن طريق السويس وكان المستر{{ توماس واجهورن }} احد كبار موظفيها واسطة هذا الاتفاق.. وقد لقى من محمد علي باشا تشجيعا كبيرا فكانت السفن التجارية تسير من بمباي الى السويس ثم ينتقل منها البريد والسياح الى الأسكندرية عن طريق القاهرة ومن الأسكندرية الى مرسيليا بحـــــــــــــــرا ومنها الى انجلترا. وكانت صادرات مصـــــر في ذلك العهد من القطـــــن، والأرز، والحبوب، والصمغ والانسجة الكتانية، والصـــودا، والتمر، والخضر الجافة، والافيون، والحناء وغير ها . وكانت تستورد من الخارج الـنسجة القطنية، والأجـــواخ، والطرابيش، والأنسجة الصـــوفية، والأثواب الحــــــريرية، والأخشاب، والحديد ، والأواني، والخـــــردوات، والنحاس، والسكاكين، والورق، والعقاقير، وأصناف العطـــــارة، والفحم، والقرمز، والسكر، والزجاج، والمـــــــرايا، والزيوت، والأنبذة، والمشروبات الروحية.... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نأتي الأن لمجال الصناعه في عهد محمد علي... كيف ارتقي محمد علي بالصناعة ؟ وما الهدف من وراء اهتمامة بهـــا الي هذا الحد الذي جعل منها في عهده مزدهرة ؟ كانت أحوال الصناعة متدهورة قبل عهد محمد علي، و كان أحتكار الإنتــــاج الحرفي وسيلة محمد علي للإرتقاء بالصناعة لكي تحقق أهداف بناء القوة الذاتية للبلاد، بدون اللجـــــــــوء للأستيراد. كيف كان لسياسة الأحتكار التي أتخذها محمد علي ..الفضل في الأرتقاء بالنهوض بالصناعة في مصـــــر؟ طبقا لسياسة الأحتكار كانت الحكومة تقوم بمهمة توجيه الإنتاج وتوزيعه عن طـــــــــــــــــريق ما يلى: 1) إمداد الصناع بالمواد الخام اللازمة للصناعة بالثمن الذى تحدده الحكومة. 2) شــــــراء المنتجات بالسعـــــــــر الذى تحدده الحكومة. 3) رفع اسعار بيع المـــواد الخام للصناع وخفض أسعار شـــــــراء منتجاتهم لتحقيق الربـــــــــــــــح المناسب. و لقد ساعدت هذه السياسة محمد علي في تطوير الإنتاج الصناعي وذلك بالإجـــــــــــــــــراءات التالية: 1) قام بإنشاء مصانع حكومية لتوفيــــر الصناعات المطلوبة و استقدم خبــــراء من الخارج من إيطاليا و فرنسا و إنجلترا لأعمال السباكة و الصباغة و مختلف الصناعات. 2) أجبر مشايخ الحارات علي جمع الصبية للعمل في المصانع إجباريا فأصبحت بمثابة مدارس صناعية. 3) قام بتخصيص بعثات للخارج منذ عام 1809 م لإيطاليا و فرنسا و النمسا و انجلترا لدراسة فنون الصناعة المختلفة و ترجمة الكتب الصناعية...... و لقد ساعدت هذه السياسة محمد علي في تطـــوير الإنتاج الصناعي.. وعلي الرغم من كل ما بذلة محمد علي في تطوير الصناعة وأنشاء المصانع الكثير والعمل علي الأرتقاء بها الا أنها لم تعمر كثيرا و إنما أصابها الاضمحلال والأنهيــــار في أواخر عهده و أختفت بعد ذلك في عهد عباس، وبذلك نجد أن في عهد محمد علي قد حدث تطورا ملموسا في الزراعة والتجارة والصناعة ...ولكن قد تم أنهيار الصناعه بعد ذلك بسبب الغرض الرئيسي الذي أنشئت من أجلة الصناعة في مصر ....وهذا ما سنوضحه بعد ذلك ــ سبب انهيــــــــار الصناعة في مصــــــــــــر بعد أن كانت مزدهـــــرة بشكل كبير في عهد محمد علي ؟... يرجع السبب في ذلك الي الأتــــــــي : ـــ أولا : أن غـــــرض محمد علي من الصناعة كان بناء قــــــوة عسكرية كبيرة لمصـــــر تساعده في بناء امبراطـــوريته. فلما أنهارت أماله في بناء أمبراطوريته و أضطــــــر للخضوع للشروط الأوروبية بتقليص عدد الجيش، انتفي الغــــــرض الأساسي من الصناعة و لم يعد هناك جيش كبير لتخدمه..... ـــ ثانيا: أن الصناعة قامت علي تدخل الحكــــومة في كل صغيرة و كبيرة بداية من تحديد ما يزرعه الفلاح و نهاية بتســــويق منتجات المصانع في الداخل و الخارج. فلما خضع محمد علي لشــــــروط الدول الأوروبية في معاهدة لندن، اضطــــــــر لفتح أســــــــواق البلاد للمنتج الأجنبي و تقليص دور الحكــــومة في الصناعة...وبذلك أنهـــــــــارت الصناعة في مصــــــــــــــــر.. .......{{حلم محمد علي باشا في تكويـــــــــــــــن امبراطــــوريته }} .... رأى محمد على ان هذا الجيش لايعتمد عليه فى تحقيق مشروعاته العظيمه لتأسيس ملكه الجديد وتحقيق حلمه في تكوين أمبراطوريتة فبذل جهده فى أنشاء جيش من الفلاحين من أبناء البلد وقد أتيحت لمحمد على الفرصه ليشهد الجيوش الأجنبية فى قتالها ، فقاتل الفرنسيين فى معركة الرحمانية ، واستطاع ان يشهد نظامها الحديث ، وتكتيكاتها وقارن بينة وبين الحالة التى عليها الجيش فصمم على ان يستبدل جنوده غير النظامية بجيش على النظام العسكرى الحديث بمجرد أن سمحت الفرصة لذلك، وقد كان يعلم تماما صعوبة هذه المهمة لتغلغل الروح الرجعية فى الأهالى ورفضهم لكل جديد وخصوصا اذا جاء على يد الأجانب ، علاوة علي ذلك أن حالة أهل مصر كانت تدب فيها الفوضى والأهمال منذ عهد طويل تحت حكم الأتراك والمماليك ، ولذلك لم يري من الحكمة التعجل فى تنفيذ مشروعة .... ولأن محمد على كان غير راضيا عن الجيش الخليط من الترك والألبان والمماليك الذين لم يكن يجمعهم سوى أستلام المرتبات وأنتظار الغنائم أثناء وبعد المعارك، ولم يكن يربطهم مثل عليا أو وطنية أو قوميةلانة جيش لا يعرف النظام.. وكان محمد على متيقنا أن هذا الجيش لن يستطيع أنجاز أى انتصار إذا أشتبك مع جيش أوروبى يستخدم الأساليب والأنظمة الحديثة، مما دعاه الى التفكير فى تكوين جيش جديد. وفى محاولته الأولى (أغسطس1815) لتجنيد الفلاحين المصريين أنضم علماء الدين إلى الألبانيين وعارضوه ووصل الأمر الى التأمر على حياته... لهذا لجأ الى تجنيد السودانيين، وأحضر لتدريبهم ضباطا من فرنسا وأسبانيا والبرتغال ليتحاشى الإستعانة بالضباط الأتراك حتى لا يثير شبهات الباب العالى. ولكن التجربة فشلت لأسباب متعددة ...أهمها أن السودانيين ليس لديهم حافز وطنى للإقبال على الخدمة العسكرية. فلم يبق أمام محمد على بد من الإلتجاء مرة أخرة إلى تجنيد المصريين1820م... وقصـــر ذلك على المسلمين. وقد عارضت الطبقة الأرستقراطية التركية ذلك بشدة وكانت حجتهم أن الجندية مهمة نبيلة يحط من قدرها أن تصبح فى متناول الفلاحين...
ورأوا أن وضع السلاح فى أيدى الفلاحين انما هو تسليمهم الأداة التى يطـــــردون بها العثمانلى . ومن ناحية أخــــــــــرى قاوم الفلاحون تجنيدهم في بداية الأمـــر لأنهم لم يـــــــروا مصلحة لهم فيه، حيث لم يكن لديهم ما يدافعون عنه أو يموتون فى سبيله واعتبـــــروا التجنيد عملا من أعمال السخــــــــــــــــــرة . ولكن وبمرور الوقت تجاوب الفلاحون مع الوضع الجديد، ويقول مورييز (Mouriez) فى كتابه (مصر الحديثة من 1840 – 1857) {{ إذ انتظم الفلاحــــون فى الجيش النظامى ألفوا بسرعة حياتهم الجديدة، وبعد أن كانوا معتادين الذل والمسكنة فى قراهم، استشعروا تحت راية الجيش كرامتهم الإنسانية وأخذوا يفخرون بأنهم جنود محمد على ويقابلون غطرسة الترك بمثلها، ولم يقبلوا أن يسموا فلاحين وأعتبروها تصغيرا لشأنهم لأن هذه التسمية كانت تشعــــــــرهم بشىء من المهانة ونالوا من الحكومة أمـــــــرا أن لا ينبذهم أحد بكلمة فلاحين}} بعد ذلك أصدر محمد علي أمـــــرا فى 8 اغسطس سنة 1821 بأنشاء مدرسة اسوان الحربية ، بدأ فيها بتعليم العدد الضرورى لتولى مهمة ضباط الجيش . وجمع له محمد على لهذا الغرض الفا من المماليك الشبان الذين تألفت منهم نواة الجيش المصرى ، وكان برنامج التعليم الموضوع يستغرق ثلاث سنوات . وكان اهتمام محمد على بأمر هذه المدرسة كبيرا جدا لأنه كان يبني عليها كل أمالة وقد وجهه رسالة الى ضباط جيشه الجديد بأسوان والتى تنبئ عما فى مكنون نفسه للنهوض بدولته الجديدة ... قال فيها : {{ اليكم يامفاخر الأماثل والأقران بكباشية جنودنا الجاهدية المقيمين فى اسوان وضباطهم من رتبة الصاغ قول اغاسى واليوزباشى والملازمين وحاملى الأعلام والضباط الأخرين : نبلغكم ان سلك الجهادية الشريف هو أعز المسالك وأكرمها من الوجهتين الدينية والشعبية ، وأن الشئون الحربية هى أهم الشئون والمصالح بالنسبة للحكومة والوطن ، وقد أثنى الله سبحانه وتعالى أحسن الثناء على من سلكوا هذا المسلك القويم ، لقد واتاكم السعد ونالكم الخظ الأوفر وأمدكم التوفيق الأزلى ، فجاء كل منكم واصبح مظهرا للعطف والعناية ، ومصدرا للشرف والسعادة كل على قدرها ، وتراعوا حقوقها ، لهذا التقدير وهذه المراعاة لايكونان مرة أخرى الا اذا تركتم عاداتكم التى كنتم مطبوعين عليها ونبذتموها ظهريا ، وتشبثتم بقواعد المسلك الجديد والحمد لله ، فكل منكم محترم الجانب مرعى الخاطر ، وكل قوانينكم ونظمكم موافقة ، فأرجعوا الى أنفسكم ، وأقــرأوا ضمائركم وأعملوا بمقتضى الرجولة ، وليقم كل منكم بذل همته فى أمور تعليم وتدريب الموجودين فى أورطتكم ، ولايهملن فى ذلك ، وليسع الى ان يكون كل شىء منظما احسن نظام وفقا لقوانينكم وقواعدكم المقـــــررة ، أما ناظــــركم محمد بك فهو رجلى الامين الوفى ، وهو ناظركم الرؤف بكم كأنه ابوكم ، فرضاؤه رضائى وأرادته أرادتى ، فلا تخرجوا عن رأيه ولاتنحرفوا عن طاعته ولاتحيدوا عن أدراته بأى حال من الأحوال .... الخ }} . وقد ضرب محمد على مثلا عاليا اذ الحق أبنه ابراهيم بهذه المدرسة ليتعلم كواحد من طلبتها ، وكان هذا من أكبر عوامل نجاح المشروع ، ولايفوتنا ان نذكر ان هناك حادثة صغيرة كان فيها ابراهيم مثلا للطاعة والنظام ، فقد اتفق ان ( سيف ) الذى اصبح فيما بعد (( سليمان باشا الفرنساوى )) . اخذ سيف على عاتقه أنشاء جيش مصرى حديث كان يمر ذات يوم هو ومن معه من الضباط فأتخذ ابراهيم موقفه فى أول الصف مع انه كان اقصــــرهم قامة ، فأمسك سيف يده وارجعه الى أخر الصف الذى يتفق مع قامته، فأمتثل ابراهيم ولم يعترض ، فضرب بذلك مثلا فى تقبل الروح العسكرية الحديثة . وقد نقلت هذه المدرسة من اسوان الى اسنا ثم الى اخميم ثم الى بنى عدى ثم الى اثر النبى ، واستدعى محمد على باشا نخبة من الضباط الفرنسيين ، منهم الجنرال ....بواييه والكولونيل جودان ..... وكان لهم اثر واضح فى التدريب الحديث على نمط الجيش الفرنسى فى اداء الحركات والسير والمناورات فيما عدا النداء فكان يصدر باللغة التركية ، وطبقت على الجيش المصرى قوانين الجيش الفرنسى بعد ترجمة القوانين العسكرية الى التركية للعمل بموادها . كان الجيش المصرى فى عصر محمد على عماد كل شىء ، فله أنشئت مدارس الطب والهندسة والفنون العسكرية ، ولنهضته قامت صناعة الاسلحة والذخيرة والملابس ، ولخدمته كان العمل على انهاض الزراعة والعمران ، فأستطاعت مصر القيام بأعباء الكفاح الحربى ، وحققت الكثير من التقدم والازدهار.