إلغاء الحماية البريطانية علي مصر وتصريح 28 فبراير 1922
أرسلت الحكومة الإنجليزية لجنة برئاسة ملنر Lord Milner لتقصي أسباب الثورة المصرية...و روج الإنجليز لفكرة الحكم الذاتي لمصر. و لكن سعد زغلول قاطع اللجنة....كما قاطعها كل أفراد الشعب... فكانت الإجابة الوحيدة التي صدرت من أي شخص هي ( أسأل سعد ) ووجد الإنجليز أنه لا مفر من مفاوضة سعد زغلول الذي ارتضاه الشعب زعيما لهم. و خلال مفاوضات سعد و ملنر تمسك كل من الرجلين بموافقه ففشلت المفاوضات كما فشلت المفاوضات التي جرت بين عدلي يكن و ملنر في أغسطس 1920م. و صدرت توصيات لجنة ملنر برفع الحماية عن مصر و التفاوض علي استقلال مصر بمعاهدة تحمي مصالح بريطانيا في مصر. و لكن الإنجليز فشلوا في التوصل إلي صيغة معاهدة مع الحكومة المصرية.. لأن عدلي يكن كان يخشي أن يقبل بما يرفضه سعد زغلول فيظهر بمظهر المتهاون في حقوق الاستقلال أمام الشعب. لذلك قام الإنجليز بالقبض علي سعد زغلول و نفوه إلي جزيرة سيشل. و صعدت الإضرابات مرة أخري. و بعد استقالة وزارة عدلي يكن، لم يقبل أي مصري أن يشكل وزارة، لأن قبول تشكيل وزارة يعني الموافقة علي التفاوض مع بريطانيا في الحصول علي استقلال ...فيما أجمعت عليه القوي الوطنية بقيادة سعد زغلول. كما أن تشكيل الوزارة يعني إخراج إنجلترا من ورطتها في مصر.. لأن إنجلترا كانت تخشي مع غياب حكومة مصرية تصاعد الإضرابات و التحول إلي عصيان مدني كامل من الشعب. و الحقيقة التي تكشفت من وثائق الحكومة البريطانية في ذلك الوقت أن المندوب السامي البريطاني لورد اللينبي كان يري ضرورة إعلان إنجلترا إلغاء الحماية عن مصر... دون المطالبة بتحفظات أو ضمانات من الحكومة المصرية لحماية مصالح بريطانيا في مصر .. لأن بريطانيا قادرة بالفعل علي حماية مصالحها. و كان يري أن إعلان استقلال مصر الكامل سيخلق مناخا طيبا مع المصريين، يمكن استثماره للتوصل إلي معاهدة مع مصر تضمن مصالح بريطانيا في المنطقة. قبلت الحكومة البريطانية آراء اللينبي، و قدم البريطانيون مزيد من التنازلات فكان تصريح 28 فبراير 1922م و إعلان استقلال مصر...و هو لم يكن علي شكل معاهدة لأنه لم يوجد في مصر من وافق علي التوقيع علي معاهدة معهم. و إنما جاء علي شكل تصريح... ........... و ينص التصريح علي : 1 )إلغاء الحماية البريطانية علي مصــــــــــــــر و الاعتراف بمصــــــر دولة مستقلة ذات سيادة ..... 2 )إلغاء الأحكام العرفية ...... 2 )تهيئة البلاد لحياة دستورية برلمانية عن طريق وضع دستور للبلاد و انتخاب أعضاء برلمان مزدوج ( اي بمجلسين)...... ...... {{ و لكن مع تحفظات أربعة : 1 } تأمين المواصلات البريطانية في مصر .... 2 } الدفاع عن مصر ضد أي هجوم عليها ..... 3 } حماية المصالح الأجنبية و حماية الأقليات .... 4 } السودان تستمر أوضاعه علي ماكانت عليه و لقد رأي بعض الوطنيين أن هذا التصريح ما هو إلا استقلال مظهري لا يرقي إلي الاستقلال الذي يطمح إليه الشعب، في حين رأي البعض الأخر و منهم عبد الخالق ثــــــــروت أن التصــــريح خطوة علي طريق الاستقلال الكامل. ............................................................... بعد إلغاء الحماية البريطانية عن مصر، أحتفل فؤاد الذي اتخذ لنفسه لقب جلالة الملك بإعلان استقلال مصـــــر و أقيمت الاحتفالات في القاهرة و الأسكندرية و توافدت وفود الدول الأجنبية لتقديم التهاني بإعلان استقلال مصر. و لكن الشعب قاطع هذه الاحتفالات لأنه لم ير الاستقلال كاملاً كما كان يطالب به و لأن سعد زغلول كان منفيا في ذلك الوقت هو و رفاقه في جزيرة سيشل بأمـــــــــــر من السلطات البريطانية و سكوت من الملك فؤاد...... و في 31 مارس 1923 م أُفرج عن سعد زغلول و رفاقه، فسافر إلي فرنسا. ثم سُمح له بالعودة إلي مصر فعاد في 18 سبتمبر 1923 م بعد صدور أول دستور مصري ......... بعد صدور تصريح 28 فبراير بإلغاء الحماية البريطانية علي مصر، هدأت الأمور في البلاد. و قامت لجنة الثلاثين بوضع دستور البلاد الذي صدر فعلا في 19 أبريل 1923 م ............ ........و قد تضمن الدستور المبادئ الرئيسية التالية: 1 ) جميع سلطات البلاد مصدرها الأمة ، أي الشعب ...... 2 ) الملك يملك و لا يحكم ......... 3 ) السلطات التنفيذية للملك و لكنه يباشرها بواسطة الوزارة 4 ) للملك الحق في تعيين الوزراء و إقالتهم 5 ) للملك الحق في حل البرلمان 6 ) البرلمان هو السلطة التشريعية و يتكون من مجلسين : مجلس النواب و أعضاؤه منتخبون، و هو الذي يمنح و يسحب الثقة من الوزارة و يراقب أعمال الوزارات. و مجلس الشيوخ : 3/5 منتخبون و الباقي بالتعيين 7 ) المواطنون متساوون في التمتع بالحقوق المدنية و السياسية و تحمل الأعباء الوطنية دون تمييز بسبب الدين أو الأصل أو اللغة. ........................................................................... و في 23 يوليو 1923 ألغيت الأحكام العــــــرفية، و أطلق سراح سعد زغلول و صحبه و خاض الوفد ... الانتخابات في يناير 1924 م، فاز فيها الوفد فوزاً ساحقا بينما نجح عدد قليل من حزب الأحرار الدستوريين برئاسة عبد الخالق ثـــــــــــــــــروت. لقد كانت الانتخابات نزيهة، و شكل سعد زغلول وزارة برئاسته فكان أول مصري من أصول ريفية يتولي هذا المنصب و سميت وزارة الشعب. ثم عرض سعد باشا برنامج وزارته و كان يهدف إلي التخلص من التحفظات الأربعة في تصريح 28 فبراير التي كانت تعوق الاستقلال التام لمصر، فطرح سعد زغلول المطالب الوطنية و هي: 1 } الاستقلال التام بجلاء القوات الانجليزية عن البلاد ...... 2 } قيام مصر بمسؤلياتها في حماية قناة السويس ...... 3 } حرية الحكومة المصرية في وضع سياستها الخارجية ....... 4 } الحكومة المصرية هي التي تتولي شئون الأقليات و الأجانب و لكن الحكومة البريطانية رفضت هذه المطالب وأصبحت وزارة سعد عدوا لها العداء....... و جاءتها الفرصة عندما قام أحد المصــــــــريين بدافع الوطنية باغتيال سردار الجيش المصري في السودان سيرلي ستاك Sirlee Stack و هو في القاهرة ، فأستغلت الحكومة البريطانية هذا الحادث و وجه لورد اللينبي إنذارا لوزارة سعد زغلول يطالب فيه: 1 ) أن تقدم الحكومة المصرية اعتذاراً عن هذه الجريمة .... 2 )أن تقدم مرتكبي هذه الجــــــــريمة و المحـــــــــرضين عليها للمحاكمة و العقــــــاب .... 3 ) أن تقدم تعــــــــــــويضا مقداره نصف مليون جنيه استيرليني للحكومة البريطانية ....... 4 ) أن تسحب القوات المصرية من السودان ..... 5 ) أن تقوم بزيادة مساحة الأراضي المزروعة قطنا في السودان ... كان الإنجليز يهدفون من هذا الإنذار إبعاد مصر عن السودان لتنفرد به بريطانيا ووضع السودان و مصر في تنافس اقتصادي حول محصول القطن و ظهور إنجلترا بمظهر المدافع عن مصالح السودان إزاء مصر. وافق سعد زغلول علي النقاط الثلاثة الأولي و رفض الرابعة. فقامت القوات الإنجليزية بإجلاء وحدات الجيش المصري بالقوة من السودان، فتقدم سعد زغلول باستقالته. بعد استقالة سعد زغلول، قام الملك فؤاد بتكليف زيور باشا برئاسة الوزارة كما قام بحل البرلمان. و لكن نواب البرلمان اجتمعوا خارج البرلمان و قرروا التمسك بسعد زغلول في رئاسة الوزراء. فقامت الحكومة البريطانية بإرسال قطع بحرية عسكرية قبالة شواطئ الأسكندرية في مظاهرة تهديدية، لذلك قرر سعد زغلول التخلي عن فكرة رئاسة الوزراء حتي لا يعـــــــرض مصـــــــر لكارثة أخــــري مثل ما حدث عام 1882م. ثم توفي سعد زغلول بعدها في 23 أغسطس 1927م و خلفه في رئاسة الوفد مصطفي باشا النحاس.