مصطفي بالي يكتب: التحولات البرامسيومية في العلاقات العربية
النار التي كانت تعتمل تحت رماد العلاقات البينية الخليجية قد نشبت أوارها مؤخرا وطفت على السطح من خلال الاصطفافات الجديدة التي تمحورت في الدوران في فلك كل من السعودية ممثلة للإجماع الرسمي العربي/الإسلامي، وقطر ممثلة لمصالح القطاعات المالية والاستثمارية التي تبحث عن دور لها يتجاوز حجمها الحقيقي على جغرافيا الخليج على المستوى الجغرافي البحت أو على مستوى جيوسياسية الخليج المتحكم بمصادر الطاقة العالمية، طبيعة هذا الصراع الناشب إذًا هو بين النظام الرسمي العربي الذي تمثله السعودية والنظام الرديف الذي تمثله قطر.
السعودية بطبيعة بنيتها العقائدية تسعى في صبغ النظام العربي والإسلامي بتعويم الوهابية كمذهب بديل عن التطرف الديني وإعادة إنتاج طروحات محمد بن عبد الوهاب من خلال التسويق بالعودة بالإسلام إلى بساطته الأولى، وذلك عبر نسج شبكة واسعة من العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع النظام الرسمي العالمي والذي تمثل بزيارة دونالد ترامب للسعودية وعقده للقمة العربية/الإسلامية في الرياض، إعلانا رسميا لبدء مرحلة جديدة من هذا المسعى.
بينما قطر وكممثلة لحركة الإخوان المسلمين العالمية (التي لم تبق دولة عربية لم تعان من الإرهاصات السلبية لهذه الحركة) بالشراكة مع تركيا والتي تمثل النظام العربي الرديف، والذي يتمثل بإقامة أمراء مشيخة قطر لشبكة واسعة من العلاقات المالية والمافيوية مع غلاديوهات صناعة الأزمات والكوارث حول العالم والتي تعمل عادة في الظل والمناطق المظلمة من القوانين سواء المحلية أو الدولية.
هذا الصراع كان قد نشبت شرارته عام 2014 وبقيت نارا تحت الرماد حتى نشبت مؤخرا بنفس برميل البارود الذي كان قد أشعل الشرارة وهي القاعدة الأمريكية المتنقلة بين السعودية /قطر/ الإمارات.
الآن ستنشغل أجهزة الاستخبارات ونشرات الأخبار بنشر الكثير من الملفات (المسربة) لكنها ستبقي –كما أعتقد- هذه التسريبات بعيدة عن الملف السوري لتورط كل الأطراف في سوريا وتقاطع مصلحتها (في أوج خلافاتها) لإبقاء هذه الملفات فى طي الكتمان.
السعودية الآن تشعر بالصدمة والإهانة لتوقعها أن قطر ستنصاع لإرادتها بمبادلة سوريا باليمن في صفقاتها مع إيران لكن مافيات صناعة الكوارث التي تدير دفة القرار القطري لم تنصاع للإرادة السعودية مما ينذر بإبقاء أبواب عض الأصابع مفتوحة لأحل غير مسمى.
هذا الصراع، العقائدي، يستخدم موارد الطاقة و خطوط إمدادها كأوراق قوة في لعبة البوكر هذه، والمؤكد أن امتلاك خطوط الإمداد يمنح أفضلية التحكم بمصادر الطاقة أو شراكة اضطرارية على أقل تقدير، ولهذا السبب بالذات ارتأت دول الخليج فرض حصار ثلاثي الأبعاد (برا/ بحر/ جوا) على قطر وذلك لإحراجها والدفع بها للمفاضلة بين أحد خيارين أحلاهما مرٌّ، متمثلا بإجبارها للتوجه نحو المنفذ والمنقذ الإيراني ومن ثم إظهارها بمظهر المنخرط في ما يسمى بمشروع الهلال الشيعي وانخراطها في التحالف الفارسي المعادي للعرب تاريخيا، وإظهارها بمظهر الابن العاق المنفلت من عقال العروبة، أو إجبارها مكرهة على العودة للحاضنة الخليجية والانصياع للإجماع الخليجي وخروجها من تحت سيطرة مافيات المال غير الرسمي، وابتعادها عن العصابات الإعلامية العالمية المساهمة في صناعة الأحداث والكوارث (والسعودية لن تنسى أنها هي أيضا كانت هدفا إعلاميا في بداية ما كان يسمى بالربيع العربي، لولا حزمة الإصلاحات التي أجراها الملك، وحجم الضخ المالي الذي أفرغ الهجمة على السعودية من مضمونها في ذلك الحين).
تفاعلات الإجراءات التأديبية الخليجية ضد قطر بدأت، وهذا لا يعني بالضرورة أنها انتصرت على قطر، هي أيضا لديها من أوراق القوة التي يمكنها اللعب والمراهنة عليها، وتبقى امتصاص الصدمة وتجاوز آثارها هي الفيصل الذي سيحدد خيارات كلا الطرفين في القادم من الأيام دون أن ننسى بأن السعودية تعمل لأجل نفسها لذلك تقيم العلاقات مع ممثلي النظام العالمي، بينما قطر تعمل لأجل النظام العالمي الرديف لذلك تقيم العلاقات مع عصابات المافيات المالية والإعلامية العالمية.