نورهان البطريق تكتب: ابن الشهيد
اتشحت مصر بالسواد حدادا علي أرواح الشهداء في أحداث الواحات البحرية الإرهابية، حيث ودعت كل محافظات مصر شهيد من أبنائها ،ولذلك فقد عما الحزن أرجاء البلاد لما حدث يوم الجمعة الماضي من استشهاد مجموعة من رجال الشرطة علي يد الإرهاب الأسود الغاشم ،ولكن عزاءنا الوحيد هو أن نحتسبهم عند الله في مرتبة الشهداء.
ففي ظل التحليلات السياسية، البرامج التلفزيونية، المداخلات التليفونية، والمشاهد الصعبة التى تعرض علي مدار اليوم سواء كان على التلفاز أو علي شبكات التواصل الاجتماعي ،فإننا نغفل عن أن هناك طفل قد مر عليه يوم يعادل ألف سنة. فهذا الابن الذي يبلغ من العمر سبع أعوام قد كتب عليه القدر أن يقضي يوم عطلته في المستشفي حيث الأمهات الثكلي، و آباء يعتصر قلوبهم من ألم الفراق ،وزوجات باتت أرامل منذ لحظة تلاقيهم خبر استشهاد أزواجهن ، فكل زوجة تحتضن ابنها حضن ينم علي أنه أصبح وحيد و يتيم. فهذه المرة سيكون اللقاء مختلف فبدلا من أن ينتظره عائدا علي قدميه -كعادته- فإنه سينتظر هذه المرة جسد بلا روح،فضلًا عن أنه اللقاء الأخير .
وفي اليوم التالي يستيقظ هذا الابن ليستكمل رحلته مع العذاب وألم الفقد ،فيحضر جنازة أبيه العسكرية ويشيعه إلي مثواه الاخير، فهو في حالة تشبه الكابوس الذي يتمنى أن يفيق منه ، فهو يري مشاهد يرفض العقل استيعابها ويأبي القلب تصديقها ،ولكنها في النهاية الحقيقة المؤلمة فكل مايدور حوله يؤكد ذلك ،فالبيت الهاديء الذي ينتظر عودة الأب من عمله تحول إلي صراخ ووجع ،أصبح مكان يعج بالأصدقاء والجيران الذين يتوافدون دومًا ليقدمون واجب العزاء، فعندما نظر إلي صورة أبيه الذي كانت ملاذه الوحيد عندما يفتقده ويطول غيابه فوجد بها اختلاف هذه المرة ،فهذه المرة كانت الشريطة السوداء مصاحبة للصورة ،فعندئذ علم أنه قد فقد عموده الفقري ......فهل له من اتزان بعد ذاك اليوم ؟!
فهذه المشاهد التى يراها أمام عينيه، وقد حفرها في ذاكرته كفيلة أن تصنع منه رجلا قبل الأوان ، فلم يعد بعد هذا اليوم الطفل الذي يرغب في اللعب مع الأصدقاء أو الذهاب للتنزه، إنما يحلم باليوم الذي يكبر فيه لكي يلتحق بإحدي الكليات العسكرية ليثأر لتار أبيه وينال من عدوه حتى يشفي غليل صدره، فهو مدرك أن والده كان بطلا وأنه دفع حياته ثمنا من أجل الحفاظ علي أرضه، ولذلك فهو يريد أن يستأنف مسيرته لأنه مثله الأعلي الذي كان يحتذي به طيلة حياته، وكأنه ينفذ وعدًا قد قطعه مع أبيه أن يكون امتداده في الدنيا، فطالما كانت أصول الشجرة قد نمت علي الشجاعة والدفاع عن الوطن، فإن فروعها ستثمر رجالا ترث هذه الروح القتالية ومقاومة العدو المستميتة - التى قد تكون الروح ثمنًا لها- من أجل حماية الوطن والحفاظ عليه.......فخرًا لكل ابن أن يري أباه ملفوفا بعلم بلده مرفوعا علي الأكتاف، عاش في دنياه لم يعرف سوي العزة والكرامة ، ومات عريسا يزف إلي الجنة بعدما قد قدر له أن يكون في مرتبة العلييين.
رحم الله شهدائنا ،وتغمدهم بواسع رحمته، وأدخلهم فسيح جناته ،وألهم ذويهم الصبر والسلوان .