يحيى ياسين يكتب: عمائم على المنابر ”واقفة”.. بلسان واحد ”ناطقة”
أيها المؤمنون!، أيها المُوحدون!، أيها المُحبون!، تجدهم يصرخون ويُصيحون كأن الساعة على أبواب المسجد تنتظره أن ينتهى من حديثه الباسل!، يمينًا ويسارًا بيديه يُشيح، ووجهه للأعلى مرفوعًا كأنه يخشى النظر لمن يسمعه، عظاتٌ على لسانه وفيحٌ يخرجُ من جلبابه المُتطيب بالروائح الفواحة، يستاك بيده بين الفينة والأخرى، بـ "الغُطرة" رأسه ملفوفة، فى نبرة حادة وغضب يتحدث غيرُ مبال بمكبرات الصوات التى تكاد أن تُفجر الآذان من عُلو صوته كأنه يجتذب الإنتباه بذلك!.
أخرجُ كل جمعة إلى عيدنا الأسبوعي لعظة "جديدة" لطالما غابت عن آذاننا لما شغلنا، فأجلس أمام الخطيب وما هو بذلك!، فلا بلاغة ولا فصاحة ولا حديث قوى ولا نص للخطبة ولا عنوان، فأجلس محدقًا منتظرًا أن أفهم ما يرمى إليه أو عن أى موضوع يتحدث، كلمةٌ من اليمين ثم إذا تاه عقله أتى بأخرى من أقصى اليسار!
ما بالُ بعض أئمة المساجد رغبوا عن امتاعنا بدين الله وما غاب عن عامة المسلمين من غزوات رسول الله وعظاته وسنته؟! هل لأنهم افتقدوا للكفاءة؟ أم عملت الرهبة موقفًا فشُلت ألسنتهم عن الحديث فهم بأى قول يهذون ويتنطعون!، فإذ تجد نفسك تتحول من مُستمع للخطبة إلى مُصحح لغوى ونحوى لإمام "قبح الله طلعته" و "من ولّاه "الخطبة" فى المسلمين!، فانقلبت صلاةُ الجمعةِ من عبادةٍ وحب إلى فَعلٍ "روتينىٍّ" إسبوعىّ يقومُ بهِ الناسُ لأنّهم وجدوا آباءهم كذلك يفعلون!.
أفسدتم علينا جُمعتنا، فحفظتم ما يُملى عليكم فأتحفتمونا بقولكم الذى لا جدوى منه ولا فرار من فرض الله عز وجل، فلا تقدرُ أن تقوم من سماع هذا الهراء! ولا أن تنقطعَ عنه فتأثم من رب العالمين، فأنت حائرًا تقف أمام واقع لابد من تقبله فى صمت لا ثورة عليه ولا تقدر أن تغير مئات الأئمة فى بلد بأكمله.
وإذا خاطبت أحدهم "لماذا يا شيخ تتحدث العامية وأنت أزهرى حافظ لكتاب الله ومتقن للغة العربية" يجيب بكل هدوء "محدش بيفهم عربي فصيح" وما بال الخطبة ليس لها عنوان ولا مضمون فماذا تهدف من تكرار الجمل وبدء وختام الخطبة بنفس الألفاظ، بل نفس الدعاء الذى ملّلت النفس تلبيته خلفك!؟
هل لا يقدر بعض الخطباء أن يُفرغوا قليلًا من وقتهم ليتجهزوا للخطابة فى المسلمين ويضعون نصًا قويًا يحفظونه أو يكتبونه ليستعينوا به إن نسوا أو تاه عقلهم من رهبة الناس!؟، ألا ليت الخطيبَ يُدرك أنّه فى مَوضعٍ يَقدرُ أن يُغير فى الناس إذ هم منتظمون على المجئ إليه راغبين غيرُ كارهين أو مُجبرين؟ أفلا يعلمون أن الخطيب إذا قام فى الناس ارتجل القول ولم يحد عن مقصده وكان حديثه مُوجهًا يعرف كيف يصيح ومتى يهدأ فى القول، أوَ كُلُ من حفظ القرآن أو أجاد علمًا واحدًا من علوم الدين صار فى الناس شيخًا ثم خطيبًا؟
لا أدرى كيف تُعين وزارة الأوقاف "المُوقرة" هؤلاء الناس؟ هل تُجرى لهم منافسة لأيهم أكفأ وأقدر على هذه المسؤولية؟ أم تراه من يختبرهم لا يُجيد الخطابة فى الأصل؟ تالله إنى لأحزن على انحدار ثقافة المسلمين لما يبثه هؤلاء من حديث عابث!.
هل الأزهر غيرُ قادرٍ عن تخريج أئمة أكِفّاء؟ أم أن الأئمة الأكِفّاء مستبعدون؟ ولو كان غيرُ قادرٍ فما فائدته ولماذا نُلحق أبناءنا ليتعلموا فيه ويتولى تجديد الخطاب الدينى الشرعى؟ ولو كان قادرًا أينهم؟ وما معايير اختيار الخطيب؟ ألا يدخل اختبارات؟ أفلا يمتحن؟ تساؤلاتٌ كثيرةٌ تضعك موضعَ الحائر فى أمره وكأن الفساد فى أهم مؤسسة دينية فى مصر هو لاصقٌ أيضًا!.
ومنهم من يقول " من أنت حتى تنتقد أو تثور على أسلوب الخطابة؟ هل أنت خطيب؟ ومن أنت حتى تفهم فى الخطابة؟ خليك فى ذنوبك هداك الله!" .. نعم يجيبون بأجوبة هى وقحةٌ فى مظهرها وجوهرها تاركًا ما يُوجه له من نقد حتى يستحسن من أسلوبه فيما قدم من خطب ليتبجح فى التبرير.
نعم أرانى متحاملًا على الأئمة لغضبى مما صرنا عليه من تدهور أسلوب الخطابة والخطباء!، فهل يحملون وحدهم هذا النقد؟ بلى والله، فمن ظلمهم بتعيينهم فى هذه المناصب وهو يعلمون أنهم غيرُ أكِفّاء لا يقلّون جُرمًا عنهم؟ ثم نخرج نهلل ونناشد بتقليل فكر الإلحاد والإرهاب اللذان يُفسدان أى مجتمع عن بكرة أبيه، أفلا نُصلح الباطن أولا؟.