مؤمن أبو جامع يكتب : أقصر مسافة لمواجهة الإرهاب
كم مازلت أتمنى أن تتنبّه الحكومات والهيئات والمؤسسات إلى المعالجة المباشرة لعوامل صناعة ونمو الإرهاب قبل مواجهة الإرهاب نفسه, هذا يعني أنه مطلوب معالجة البنية الاجتماعية الحاضنة التي أنتجت الإرهاب, ومعرفة مصادر الدعم المعنوي والمادي له, وكذلك معالجة فكرية وثقافية وفنية وتربوية وإعلامية عبر منابر الإعلام والثقافة والفن, وفي المقابل اتباع سياسات جديدة بعيدًا عن السياق الأمني والعسكري, وحتى هذا ينطبق في التعامل مع المتورطين والمتهمين, الذين يجب أن يواجهوا بأسلوب علمي وعقلاني مهما كانت درجة تورّطهم, وقتها سنعرف الإجابة على السؤال المطروح لماذا ينتشر الإرهاب؟
نحن رعاة سلام وتعايش لكن غير مسموح أن يتم استغفالنا, دعاة سلام وليس استسلام, لذلك عندما نطالب بأن يعيش الروهينغا بسلام في مينامار, هو نفس مبدأ مطالبتنا بالسلام في سورية والسلام في اليمن وبالتالي قي فلسطين, الهدف هو الإنسان, ولا فرق بين إنسان هنا أو هناك, كل الشعوب يجب أن تتمتّع بالاستقرار وبحقوق الإنسان كاملةً, وهذا يحتاج منّا لكفاح طويل, لكن أن يكون هناك تعارض في رسالتنا فهذا أمر غير مقبول, ولا ترضاه ضمائرنا. هذه مسألة أقصر مسافة.
عُقد في الولايات المتحدة أعمال مؤتمر تشارك فيه دول التحالف لمواجهة الإرهاب, واعتراضي الوحيد على هذا المؤتمر كان هو حول تغاضي المؤتمر عن الإرهاب المنظّم الذي تقوده حكومة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية, ولكي تكتمل جهودهم وتكون أكثر عقلانية وأكثر جديّة أمام العالم, فيجب أن لا تُعطي هذه الجهود الكبيرة ظهرها للمعاناة التي يواجهها الفلسطينيون يوميًا ومنذ عقود.
إذا نظرنا للعلاقة بين الإرهاب الممارس على فلسطين وحركة الإرهاب في العالم, فالعنف الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية هو عنف منظم وممنهج "إرهاب دولة" تمارسه إسرائيل كدولة حديثة في المنطقة عيانًا وبغطاء الدفاع عن "مواطني إسرائيل", الذين جاؤوا قبل سبعة عقود من دول مختلفة مستوطنين على أراضي الفلسطينيين, وهذا العنف المنّظم الذي لا يعترف حتى بقرارات مجلس الأمن الدولي, أعطى الضوء الأخضر للأجهزة العالمية التي تدير الجماعات الإرهابية بأن تمارس برامجها في أي مكان من العالم لموازنة مصالحها, ورغم أن هذه الممارسات شبه منظّمة إلا أنها كانت مدخلًا حتى للدوافع الفردية بالقيام بممارسات إرهابية ضد الآخرين بصرف النظر عن جنسهم أو أصلهم, لذلك يُعد التغاضي عن الإرهاب الممارس في فلسطين عامل رئيس من ضمن العوامل المسببة في نمو الإرهاب العالمي.إلى جوانب عوامل منها الفكر المتطرف ومشاكل الإقصاء والتهميش والجهل والفقر, وأنا على يقين أن القانون لو طُبّق للكل فسيُكافَح الإرهاب مهما كان حجمه, لكن القانون يُمارس بانتقائية واختلال.
الفجوة بين الإرهاب العالمي والسلام العالمي يحتاج للفرصة الأكبر التي بإمكاننا استثمارها والمتعلقة بشريحة الشباب, كونها الذخيرة الأقوى للدول والركيزة الأولى في بناء مؤسساتها, والشريحة التي تشهد استهداف مباشر من قِبل رعاة الإرهاب في العالم, فكما تتعرض أعداد كبيرة منهم لداء الإرهاب, بإمكاننا استخدام المصل المضاد لمن هم في دائرة الاستهداف لهذه الجماعات, فالمتورطين مع هذه الجماعات وهم كنز معلوماتي يلزم أن نعاملهم بطريقة علمية وإنسانية لمعالجة أوضاعهم ودمجهم في المجتمع من جديد. وأيضًا لدينا قوة هائلة من الشباب الذين يشغلهم هَم بناء وصناعة وحفظ السلام, ومستعدون للمساهمة في بناء السلام العالمي, فيمكن لهؤلاء الشباب أن يشاركوا في مشروع لتعميم السلام والتعايش واحترام الآخر. يجب أن نبدأ من هنا.