أحمد قنديل يكتب : تعددت المذاهب والموت واحد
لم نندهش عندما سمعنا هذا الخبر من سلطنة عمان فى واقعة تجسد قيمة التعايش والتسامح الإنسانى بين المواطنين حيث توفى أحد الأشخاص وهو على المذهب الإباضي فلم يختلفون على تشييعه داخل أحد المساجد التى تتبع المذهب السني بل أيضا لم يختلفوا على الإمام الذى يتقدم الصفوف وصلى عليه بل كان إماما شيعيا.
هذا النموذج يكشف عن حجم انصهار المذاهب المختلفة التى تتميز بها سلطنة عمان ويوضح أن الإنسان هو فى المقام الأول لذلك لا تجد هناك أحاديث أو خلافات عن صراع سنى شيعى أو إباضي سنى أو إباضي شيعى هذا النموذج جاء نتيجة خطوات السلطنة تحت قيادة السلطان قابوس فى إذكاء روح التسامح والتعايش ليس فقط على المستوى الداخلى بل على المستوى الخارجى عبر المؤتمرات الدولية التى تعقدها لطرح هذا النموذج للاستعانة به عالميا.
الحديث عن جماليات التعايش السلمي الاجتماعي بين العمانيين من مختلف المذاهب والطوائف والأعراق لم ولن يتوقف ويحاول البعض إرجاع الحالة إلى الدين أو السياسة، والحقيقة أنه منذ القدم وهم يعيشون في قرى صغيرة تتداخل فيها ثلاثة مذاهب بقوة وحميمية (السنة والشيعة والأباضية)، وقبائل كثيرة، (خاصة أهل السواحل).
سلطنة عمان تجسد مثالًا من العمل الدؤوب علي توفير مناخ مواتي لسلام ديني وتعايش سلمي، وذلك من خلال ترسيخ تلك القيم وإصدار القوانين التي تضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية في ظل مبادئ عدم التمييز، إضافة إلى تجريم الإساءة إلى القيم الدينية أو انتهاك النظام العام وعلى الرغم من كون الدستور العماني ينص على أن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للدولة، إلا أن القوانين العمانية تنص على حرية ممارسة الشعائر الدينية وعدم التمييز على أساس الدين، فضلًا عن توافر أماكن العبادة وممارسة الشعائر لغير المسلمين من كنائس ومعابد، وقد عززت السلطنة قيم الحوار والترابط بين أبناء الوطن العماني، ولاسيما التسامح والاعتدال وقبول الآخر لذا نجحت في تحييد نفسها عن النيران المشتعلة في الاقليم وهناك أسباب عدة حصّنت الدولة البعيدة عن الاضواء من العواصف السياسية والأمنية التي ضربت معظم الدول العربية منذ سنوات، أهمها التسامح السياسي والديني الذي جعل عمان نموذجًا فريدًا في محيطها.
وبينما ينتشر الارهاب فى ربوع عالمنا العربى والدولى لم تصتف السلطنة من الدول التى اصيبت بهذا الداء الخبيث ولعل ابرز مايؤكد تلك الحالة بأن سلطنة عمان لم تصدر أي قوانين أو تشريعات لمكافحة الإرهاب منذ عام 2007 حين تم إصدار قانون «مكافحة الإرهاب» الوحيد في البلاد.
تشتهر عمان باستقرارها الشعبي والرسمي وبتسامح قل مثيله في منطقة مشتعلة منذ سنوات، حيث تبتعد عُمان عن الاستقطابات والاحتقانات التي يتغذى عليها «الإرهاب» في أطوار نموه، كذلك فإنها كانت البلد الأقل إيفادًا للمقاتلين في المجموعات التكفيرية المنتشرة في المحيط القريب ويفتخر العمانيون بخلو تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) والمنظمات التكفيرية في سوريا والعراق من أي مقاتل عُماني (ما عدا طالبًا ولد وعاش في السعودية وقتل في صفوف الكتيبة الخضراء في سوريا السنوات الماضية ). إلا ان هذا الواقع ليس يؤكد أنه وليد الصدفة بل نتاج سياسات حكيمة للدولة بقيادة السلطان قابوس مع تناغم باقى المؤسسات التشريعية والتنفيذية الأخرى .