محمد سيد يكتب: الثورة الصناعية الرابعة الفرص والتحديات
ثلاث ثورات صناعية مر بها العالم فى القرون الثلاثة الماضية، أولها فى القرن الثامن عشر عندما تم اكتشاف المحرك البخارى واستخدامه فى عملية الإنتاج، ثانيها كانت فى القرن التاسع عشر حيث تم اكتشاف الكهرباء وزيادة تقسيم العمل ما أدى إلى توسع كبير فى الإنتاج.
أما الثالثة فكانت فى النصف الثانى من القرن الماضي حيث تم إختراع الحاسب الآلى وانتشار تكنولوجيا المعلومات، كما أن القرن الحادى والعشرين له أيضًا ثورته الخاصة والتى تعرف ب"الثورة الصناعية الرابعة" التى يمر بها عالمنا الآن والتى نتجت عن تطور التكنولوجيا وانتشار الإنترنت ومن مظاهرها الطباعة ثلاثية الأبعاد و ظهور الذكاء الصناعى— وهو تعبير يطلق على قدرات البرامج والآلات بما يحاكى القدرات العقلية البشرية كالتعلم والاستنتاج ومن أشهر أمثلتها الإنسان الآلى.
وفقًا لتقرير أعدته شركة برايس ووتر هاوس الألمانية فإن الناتج الإجمالى العالمى سوف يزيد ب 14% (ما يعادل 15.7 تريليون دولار) نتيجة لانتشار الذكاء الصناعى وما سيؤدى إليه من زيادة فى الطلب والإنتاجية.
مما لا شك فيه أن تغيرًا كبيرًا سوف يحدث فى نمط وشكل الاقتصاد فى السنوات القادمة كنتيجة للمد القوى لهذه الموجة العاتية التى لن تؤدى فقط إلى تغيير فى شكل الأنشطة الإقتصادية كالإنتاج والاستهلاك، وإنما أيضًا إلى تخفيض العمالة بصورة شديدة وإدخال الذكاء الصناعى فى العملية الإنتاجية ليس فقط لزيادة إنتاجية عناصر الإنتاج التقليدية كماهو الحال فى الثورات الصناعية السابقة وإنما بإحلال الذكاء الصناعى محل العنصر البشرى، ولكن على الجانب الآخر سوف يتم خلق فرص عمل جديدة لم تكن موجودة من قبل فى مجالات تطوير الذكاء الصناعى وتطبيقاته.
وفى هذا الصدد يقول رئيس ومؤسس المنتدى الاقتصادى العالمى كلاوس شواب "إن الثورة الصناعية الرابعة لن تؤدى فقط إلى تغيير ما نقوم به من أعمال وإنما إلى تغييرنا نحن".
فعلى سبيل المثال نجد أن شركة Adidas قامت بإنهاء بعض أنشطتها الإنتاجية فى الدول الآسيوية ذات العمالة منخفضة الأجر وأعادت هذه الأنشطة إلى الموطن الأصلى للشركة فى ألمانيا، اعتمادا على أن الذكاء الصناعى قد خفض تكاليف الإنتاج بصورة أكبر من انخفاض الأجور.
لكن ورغم أن للثورة الصناعية الرابعة آثارها الإيجابية فى زيادة النمو الاقتصادى وانخفاض تكاليف الانتاج وارتفاع جودة المنتجات وزيادة الاستهلاك، فإن لها أيضًا آثارًا سلبية تتمثل فى فقدان الإنسان لعدد كبير من الوظائف لصالح الذكاء الصناعى، وزيادة الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية حيث تشير الأبحاث إلى أن معظم الزيادة فى الناتج العالمى المتولدة عن هذه الثورة الصناعية سوف تستفيد منه الصين وأمريكا الشمالية وأوروبا وليس الدول النامية، كما أنها ستؤدى لتعميق عدم المساواة حيث يستفيد منها أصحاب الأعمال وليس الموظفين أصحاب الدخول المنخفضة المهددون أساسًا بفقد وظائفهم.
على المستوى المحلى، لتحقيق أقصى استفادة من هذه التغيرات وتقليل أضرارها قدر المستطاع فإنه يتعين على صانع القرار المصرى وضع تصور واستراتيجية شاملة للاستعداد لهذه التغيرات والتعامل معها بأعلى كفاءة ممكنة كالاستراتيجية التى وضعتها دولة الإمارات فى سبتمبر الماضى تحت عنوان "استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة" وذلك بما يتماشى مع الظروف المحلية، وتهيئة كل الظروف لتنفيذ هذه الاستراتيجية جنبًا إلى جنب مع استراتيجية مصر 2030.