مصراوي 24
بوتين يلتقي مع أمين مجلس الأمن القومي الإيراني في روسيا |ماذا حدث؟ رئيس هيئة الرقابة المالية يشارك في مؤتمر إي اف جي هيرميس الاستثماري في لندن مدبولي يوجه بعقد اجتماع مع مسئولي قطاع السيارات وممثليه لمناقشة المعايير التي يمكن وضعها لتحقيق مستهدفات الدولة رئيس الوزراء يعقد اجتماعاً لبحث المعايير والضوابط النوعية لتنظيم سوق السيارات في مصر باسل رحمي: 75 مليون جنيه للمشروعات الصغيرة بنظام التأجير التمويلي بجميع محافظات الجمهورية البترول: «بيكر هيوز» العالمية تتجه لضخ استثمارات جديدة في مصر الصحة العالمية: حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في قطاع غزة حققت هدفها تراجع مؤشرات البورصة بختام تعاملات الخميس رئيس هيئة الرقابة المالية يشارك في مؤتمر إي اف جي هيرميس الاستثماري في لندن الامام الاكبر يهنئ الرئيس السيسى والأمة الإسلامية بذكرى المولد النبوى الشريف وزير البترول يعقد جلسة مباحثات ثنائية مع الرئيس التنفيذى لشركة بيكر هيوز العالمية والوفد المرافق له وزير الصحة يستقبل رئيس اتحاد المستشفيات العربية لمناقشة سبل التعاون المشترك لدعم القطاع الصحي
مصراوي 24 رئيس مجلس الإدارةأحمد ذكي
السبت 23 نوفمبر 2024 08:14 مـ 22 جمادى أول 1446 هـ

د. حسام الدين بدر يكتب: تسامح المصريين والمسيح المسلم

دأب الشعب المصري منذ ظهوره على هذه الأرض على كراهية الظلم، وحين تضيق به السبل من الظلم، تراه مشدوها إلى السماء شاخصا ببصره نحو قرص الشمس يرنو إلى العدالة ولو في العالم الآخر، وأوضح مثال على ذلك ريشة العدالة ماعت، ما حمل بعض مؤرخي الأديان على الاعتقاد بوجود أنبياء في مصر حتى قبل أن يزورها إبراهيم عليه السلام، ومن المؤرخين من يرى أن أوزوريس قد يكون النبي إدريس.

لذلك لم يكن غريبا أن يرحب الشعب المصري بالأنبياء والديانات السماوية، فقد دافع واحد من آل فرعون عن موسى كما ورد في سورة غافر؛ كما احتضنت مصر المسيحية القسيس مرقص، أحد حواريي المسيح، ليؤسس أول كنيسة خارج فلسطين في النصف الأول من القرن الأول الميلادي، حتى شاعت مقولة ولد المسيح في الناصرة وولدت المسيحية في مصر، ومن هذه الكنيسة انطلقت المسيحية إلى أفريقيا كلها بدءا ببرقة وليس انتهاءً بإثيوبيا.

وحين اعتنق الرومان كانوا على مذهب مخالف للمصريين، واستمر الاضطهاد، وكان الخلاص على يد رسالة سماوية أخرى ألا وهي الإسلام، الذي تسامح مع المسيحين الأقباط وأعطاهم المواطنة كاملة، لتظل راية محمد والمسيح ترفرفان على ضفاف النيل في تناغم نادر يتجلى في الـتأثر والتأثير في العادات والتقاليد والطرز المعمارية في دور العبادة؛ حتى لا تكاد تميز بين مقام الولي وقبر القديس، ولا طقوس الاحتفال بالمولد النبوي وبين مولد العذراء، بل إن أيا من المولدين عيد للاحتفال يشهده المسلمون والمسيحيون على السواء.

نأى المصريون عن أدلجة الدين وإقحامه برديء السياسة ــ وهو أمر كان بدايته حكم بني أمية تقليدا لتراث الفرس والروم ــ ليحافظوا على نقاء عالمية الإسلام وقوته النابعة من قدرته الفائقة على عدم التمييز على أساس من الدين، فبدا الأمروكأنه قد امتزج بدماء من أسلممن المصريين ما تحدث به النبي الكريم في حجة الوداع، حين نادى في الحضور "ألا أخبركم بالمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده"، ليصبح المعنى أن الكل مؤمن ومسلم (مسيحي أو مسلم أو غيرهما) مادام الناس يأتمنونه على وأرواحهم وعرضهم وأعراضهم، الكل مسلم سالم مسالم ما دام لا يبطش بيد أو لسان، لذلك نجد كراهية المصريين لظلم الضعفاء، فاستشرت بينهم العبارة "اللي تحسبه موسى يطلع فرعون".

بل تجلى الأمر إلى أبعد من ذلك من خلال إعلاء لشأن مفهوم التسامح في عقول وقلوب المصرين، وكأنه حمل بين جنباته مزيج متشابه بين مفهوم المحبة الإنجيلي ومفهوم الإحسان القرآني، ألا نقرأ في القرآن "والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134) وفي الكتاب المقدس"أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، ارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ" (لوقا 6: 27، 28)!

كما كان للفكر الصوفي ــ الذي كان له تأثير عظيم في المجتمع المصري ـ أبعاد أكثر سموا وتصورات أكثر إشراقا عن تلك الشخصية الفريدة (شخصية المسيح)، فأي تكريم هذا حقا أن من يقرأ القرآن من غير المسلمين لابد أن يتصور أن عيسى من أنبياء الإسلام، الذي شغل الحديث عنه في القرآن أكثر مما شغله نبي الإسلام، وأرى أن أفكار كبار الصوفية ــ التي لعبت دورا خلاقا في تزكية التسامح بين المسيحية والإسلام وتسللت إلى أذهان المسلمين المصريين ــ قد ساهمت من منطلق مفهوم التوفيقية في التقريب بين الديانين، على سبيل المثال استعمال مفكري الصوفية لمفهوم التجلي بديلا عن الحلول (والأمر متشابه لا متماثل)، خاصة في مسألة طبيعة السيد المسيح، فالله يتجلى بصفاته الفعلية بقدرٍ في عوالم الأجسام، حتى ولو كانت صفات تختص بذاته العلية كإحياء الموتى والقدرة على الإشفاء وعلم الغيب؛ ففي هذه المسألة ساهم الصوفي المعروف ابن عربي في التوفيق بين المسلم به عقيدةً وبين ما هو عقلي، فالأجسام الإنسانية، وإن كانت واحدة في الحدِّ والحقيقة والصورة الحسية والمعنوية، إلا أن أشكال خَلْقها متنوعة، وحين تختلف أشكال الخلق تتنوَّع الأجسام؛ فالقدرة الممنوحة لجسد العذراء على استيعاب حمل بدون علاقة هو من قبيل تجلي القدرة الإلهية، وإن كان السيد المسيح كما يذكر بن عربي"روحٌ تجسَّدتْ، لا جسم نُفِخَتْ فيه الروح"، وبالتالي كانت هذه الروح المتجسدة قادرة على استيعاب تجلي صفات إلهية خاصة.

إن التصور الوارد في تراث الإسلام وتراث المسلمين (خاصة الصوفي منه) عن السيد المسيح ــ أحد الرسل أولي العزمـ - قد انعكس في الإيمان بكونه عليه السلام بشرًا استثنائيا من الطراز الأول، ألم يُذكر في القرآن أنه تكلم في المهد صبيا! وهي معجزة لم ترد في الكتاب المقدس؛ لذا فلا عجب أن تصدر مجلة "دير شبيجيل" الألمانية عددا لها خصته للمقاربة بين التصور الإسلامي والمسيحي، وقد تصدرت غلاف العدد صورتان للسيد اليسوع متقابلتان، إحداهما في الأعلى وهو بلباس إسلامي ومكتوب عليها "عيسى المسلم"، والأخرى أسفل بالصورة المعتادة لدى الكنيسة ومكتوب عليها "عيسى ابن الله" ثم عنوان جانبي "ما الذي يجمع بين المسيحية والإسلام وما الذي يفصل بينهما"، ويبدي الكاتب تعجبه من أنه رغم ما سجله التاريخ من نزاع بين المسلمين والمسيحيين، بيد أنه بين الديانتين تقارب كبير، فالتراث الإسلامي وكذا المسلمون لا يكنون فقط عظيم الاحترام للنبي إبراهيم، بل أيضا كان لكل من المسيح وأمه مريم مكانة ذات تقديس.

حقا وحقيقة لقد بدأت حلقة الإسلام الأول ببعثة نوح؛ وكان إبراهيم وموسى وعيسى جميعا مسلمين؛ وإن من أسباب عدم إدراك ذلك التقارب بين الإسلام والديانات الأخرى (السماوية والوضعية) ــ كما أرى ــ تكمن في أدلجة الدين وإقحامه برديء السياسة، وكذلك إقصاء الفكر الصوفي عن دائرة الحوار بين أصحاب الملل والنحل والأديان المختلفة، وهو أمر ينزع الإسلام من روحه، والجسد لا يمكنه العيش بدونها.

دكتور حسام الدين بدر، قسم الدراسات الإسلامية كلية اللغات والترجمة – جامعة الأزهر.