تاريخ فلسطين يحتفي بقيامة المسيح الفلسطيني
تنفرد احتفالات فلسطين بعيد القيامة المجيد عن احتفالات مختلف دول العالم ، لأنه احتفاء فلسطيني بالتاريخ والجغرافية الفلسطينية المتجسدة في طقوس وشعائر تحيي الاعتراف التاريخي بأن السيد المسيح، عليه السلام (فلسطيني الجنسية)، وأشقاؤه في المخيمات، ثمّ أتباعه من المؤمنين في الأرض، بحسب تعبير الكاتب والشاعر الفلسطيني الكبير، إيراهيم جابر.. قائلا: «المسيح لنا.. ابننا.. وأمّه سيدة فلسطين الأولى..ابن الناصرة والجليل..مسيحيو الشرق، وفلسطين تحديداً، هم أهل بيت المسيح الفلسطيني، والمسيحية ديننا نحن، ورسالتنا نحن الى الأرض..هنا بيته ما زال ، وهنا حمل صليبه على ظهره ، أو صعد بدونه ، وهنا كلّ حبة رملٍ جديرةٌ بأبلغ التراتيل والصلوات..بين هذا الشعب ، ولد وحكى في المهد».
واتصالا بأحكام التاريخ والجغرافية..وفي سابقة فريدة من نوعها، صادق مجلس الوزراء الفلسطيني في جلسته التي عقدت في رام الله بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 2018، على اعتبار عيد الفصح حسب التقويم الشرقي، عيدا وطنيا في فلسطين.
الحزن يخيم على احتفالات القدس المحتلة
صدحت أجراس الكنائس داخل فلسطين المحتلة، في ظل مناخ من الأحزان يخيم على احتفالات الوطن المحتل، بحسب تعبير أديب جودة الحسيني، أمين مفتاح كنيسة القيامة في القدس حامل ختم القبر المقدس، «فجائحة كورونا خطفت الكثير من الأحبة والأصدقاء، وهناك العشرات من المصابين والذين يتم الدعاء لهم بالشفاء، ناهيك عن الحواجز التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على أبناء الشعب الفلسطيني والتي تعرقل وصولهم إلى كنيسة القيامة»..وبحسب التقليد يدخل بطريرك الروم الأرثوذكس في المدينة المقدسة وسائر أعمال فلسطين والأردن بالدخول إلى كنيسة القيامة من المدخل الداخلي لكنيسة القديس يعقوب يرافقه لفيف من رؤساء الكهنة، والكهنة والشمامسة، وتقرع الأجراس حزنا، ومع ترقب انبعاث النور المقدس من القبر.
أقدس الكنائس المسيحية والأكثر أهمية في العالم
وكنيسة القيامة أو كنيسة القبر المقدس، هي كنيسة داخل أسوار البلدة القديمة في القدس المحتلة..وبنيت الكنيسة فوق جلجثة أو الجلجثة وهي مكان الصخرة التي يعتقد أن السيد المسيح صلب عليها. وتعتبر أقدس الكنائس المسيحية والأكثر أهمية في العالم المسيحي وتحتوي الكنيسة وفق المعتقدات المسيحية على المكان الذي دفن فيه يسوع المسيح ـ عليه السلام ـ واسمه القبر المقدس.
سُمّيت كنيسة القيامة بهذا الاسم ـ حسب المعقدات المسيحية ـ نسبة إلى قيامة السيد المسيح من بين الأموات في اليوم الثالث من الأحداث التي أدت إلى موته على الصليب.
ولد عيسى بن مريم (السيد المسيح ـ عليه السلام) في بيت لحم، وترعرع في الناصرة، وصلب وعذب في القدس.. وإذا كان وصف النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه النبي القرشي الهاشمي، نسبة إلى الجذور والأصل، ونقول النبي العربي، نسبة إلى جنسية الوطن الذي عاش فيه، لهذا يقول التاريخ أن المسيح فلسطيني الجنسية والهوية، أما الرسالة والديانة فهي ملك للبشرية جمعاء.. للجميع بكافة ألوانهم وأطيافهم ولغاتهم.. السيد المسيح ولد وعاش في فلسطين طولاً وعرضاً ـ سياحة السيد المسيح في فلسطين من البحر إلى النهرـ حتى رفع إلى السماء.
مريم البتول ويوسف النجَّار كانا كنعانيين فلسطييَّين
والأحداث الرئيسة الأولى في حياة السيد المسيح،عليه السلام، تدور في ثلاثة مواقع: (خِلّْ إيل، وبيت لخمو، وأورسالم (القدس)، إضافةً لنهر الأردن، حيث عمَّده يحيى بن زكريا، ويعتقد أنَّ التعميد قد تمَّ في سنّ الثامنة عشرة، وقيل في الثلاثين، ويجمع الباحثون على أنَّ ذروة نضج دعوته، تمت في السنوات الثلاث الأخيرة من عمره، التي قضاها في الجليل، شمال فلسطين. ويُجمع الباحثون أيضاً، على أنَّ سيدة فلسطين الأولى (مريم البتول)، و(يوسف النجَّار)، كانا كنعانيين فلسطييَّين، ولم تكن لهما أية علاقة بالطائفة اليَهْويَّة.
عاصمة الشواهد التاريخية
ومسقط رأس السيد المسيح «بيت لحم».. وهي مدينة فلسطينية، ومركز محافظة بيت لحم. وتقع في الضفة الغربية المحتلة على بعد 10 كم إلى الجنوب من القدس، وبنيت المدينة وفقًا لعلماء الآثار على يد الكنعانيين في الألف الثاني قبل الميلاد، وعُرفت بعدد من الأسماء عبر الزمن، وقد ورد اسمها في مصادر قدماء والسريان والآراميين. وقد مر على المدينة عدد من الغزاة عبر التاريخ، حيث تعرّضت هي وبقية فلسطين للغزو الأشوري والبابلي والفارسي والإغريقي والروماني والبيزنطي. وأعيد بناؤها من قبل الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول، وفتحها العرب المسلمون على يد عمر بن الخطاب عام 637، بعد أن ضمن السلامة للمزارات الدينية في المدينة، وفي عام 1099، استولى عليها الصليبيون، ثم حرر المدينة صلاح الدين الأيوبي ..ومع مجيء المماليك في عام 1250، هُدمت جدران المدينة وأعيد بناؤها في وقت لاحق خلال حكم الإمبراطورية العثمانية.. وانتزعت بريطانيا السيطرة على المدينة من العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى، وكان من المفترض أن يتم تضمينها في المنطقة الدولية في إطار خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين عام 1947.. وأُلحقت المدينة بالأردن بعد نكبة فلسطين عام 1948، واحتلتها إسرائيل في عام 1967 ..ومنذ عام 1995، ووفقا لاتفاقية أوسلو، نُقلت السلطات المدنية والأمنية في المدينة إلى يد السلطة الوطنية الفلسطينية.
وتعد بيت لحم عاصمة الشواهد التاريخية والدينية، وتضم العديد من الكنائس، ولعل أهمها كنيسة المهد (أول كنيسة في العالم)، وبنيت على يد قسطنطين الأكبر (330 م). وقد بنيت الكنيسة فوق كهف أو مغارة، التي ولد فيه السيد المسيح، ويعتقد أن هذه الكنيسة هي أقدم الكنائس الموجودة في العالم.
أقدم كنيسة في العالم
من أبرز المعالم الدينية في المحافظة كنيسة المهد، وتعد كنيسة المهد أقدم كنيسة في العالم، فبعد أن أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للدولة الرومانية الشرقية في عهد الإمبراطور قسطنطين عام 324، أمرت والدته الملكة هيلانة في عام 335 ببناء كنيسة المهد في نفس المكان الذي ولد فيه السيد المسيح عيسى ـ عليه السلام ـ في مدينة بيت لحم.. وتضم الكنيسة ما يعرف بكهف ميلاد المسيح، ويزين الكهف أربعة عشرة قنديلا فضيا والعديد من صور وأيقونات القديسين.. والكنيسة عبارة عن مجمع ديني كبير تحتوي على مبنى الكنيسة بالإضافة إلى مجموعة من الأديرة والكنائس الأخرى التي تمثل الطوائف المسيحية المختلفة، فهناك الدير الأرثوذكسي في الجنوب الشرقي، والدير الأرمني في الجنوب الغربي، والدير الفرانسيسكاني في الشمال الذي شيد عام 1347م لأتباع طائفة الفرانسيسكان.
مغارة الحليب
وتقع المغارة إلى الجنوب الشرقي من الكنيسة وهي المكان التي أرضعت فيه لبسيدة مريم العذراء، يسوع الطفل عندما كانت مختبئة من جنود هيرودس أثناء توجهها إلى مصر.. ويقال أن بعض قطرات من حليب العذراء قد سقطت على صخرة مما أدى إلى تحول لون الصخرة إلى الأبيض.
حقل الرعاة للروم الأرثوذكس
ويقع إلى الشرق من مدينة بيت ساحور، حيث ظهر فيه ملاك الرب إلى الملائكة وأخبرهم بالنبأ السعيد وهو مولد يسوع، وحينها هللت ملائكة السماء «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وللناس المسرة»..وعندما قامت القديسة هيلانة بزيارة بيت لحم، أمرت ببناء كنيسة المهد وكنيسة أخرى على «مغارة الرعاة» والتي هدمت وأعيد بناؤها ثلاث مرات.. وفي نفس المكان «كنيسة حقل الرعاة لللاتين» و«حقل الرعاة للبروتستانت»..وتضم المدينة أديرة وكنائس تاريخية تسجل فصولا من حياة القديسين، والدعوة المسيحية للعالم.