العلاقات السعودية – المصرية .. تنسيق سياسي لا ينقطع وقفزات غير مسبوقة في ملفات التعاون الاقتصادي والثقافي
تمر العلاقات السعودية المصرية بواحدة من أزهى عصورها بفضل التنسيق والتشاور الدائم بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –يحفظه الله-، وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي أنعكس بشكل واضح على كافة أوجه التعاون المشترك بين البلدين، خدمة لمصالح شعبي المملكة ومصر.
وعلى مر العقود، استمدت العلاقات بين المملكة ومصر قوتها وزخمها من ثوابت كانت دائما وابدًا تشكل ركنًا اساسيًا في تعزيز الترابط بين البلدين، لترتقي إلى مستوى العلاقة الاستراتيجية من واقع إبرام ما يقارب 70 اتفاقية وبروتوكول ومذكرة تفاهم بين مؤسساتها الحكومية، فضلا عن التنسيق والتشاور السياسي بين البلدين الذي تعكسه اللقاءات والاتصالات المستمرة بين مسؤولي الدولتين لبحث مجمل القضايا الإقليمية والدولية في مواجهة التحديات المشتركة وخدمة قضايا أمتينا العربية والإسلامية وخدمة الأمن والسلم الدوليين، فضلا عن التبادل الثقافي والفني الذي يتنامى بشكل ملموس.
تنسيق سياسي لا ينقطع
تتبنى المملكة ومصر مواقف متقاربة إزاء العديد من القضايا السياسية والأمنية التي تهم الدولتين وتشغل الإقليم في الوقت الراهن، وتزداد أهمية هذا التنسيق والتشاور بسبب الأوضاع التي يشهدها الشرق الأوسط والتحديات الأمنية التي تضفي المزيد من الأعباء على الرياض والقاهرة من أجل العمل المشترك على تعزيز الاستقرار والعمل على تهدئة التوترات والأزمات التي تموج بها المنطقة.
ولعل اللقاء الأخير بين فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في شهر يونيو الماضي والذي استضافته مدينة شرم الشيخ يعكس حجم التنسيق القائم بين البلدين على أعلى المستويات.
وترتكز المواقف المشتركة للبلدين على الرفض التام لكافة التدخلات الإقليمية في شئون الدول العربية أياً كان مصدرها، كونها تشكل تهديدًا لاستقلال وسيادة الأراضي العربية وتفكيكا لوحدتها الوطنية. ومن هذا المنطلق تدعم الدولتين بشكل دائم كافة المبادرات السياسية والحلول السلمية لكافة أزمات المنطقة، في سوريا واليمن وليبيا، وفقا لقرارات مجلس الأمن والمبادرات الاقليمية والمرجعيات ذات الصلة، بما يحافظ على استقرار هذه الدول، ووحدة ترابها الوطني، ويضع مصالحها الوطنية فوق كل الاعتبارات، ويؤسس لحل دائم يكفل الأمن والاستقرار لشعوب هذه الدول، بمعزل عن التدخلات الخارجية.
انطلاقة جديدة للتعاون الاقتصادي
مثلت الزيارة الهامة التي قام بها معالي وزير التجارة وزير الإعلام السعودي المكلف الدكتور ماجد بن عبد الله القصبي إلى القاهرة في شهر يونيو الماضي انطلاقة جديدة في مسيرة التنسيق الاقتصادي والاستثماري بين البلدين على المستوى الحكومي أو القطاع الخاص.
وخلال الزيارة، أكد معالي الوزير الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي، أن المملكة تستهدف أن تكون الشريك التجاري الأول لمصر خلال السنوات الخمس المقبلة، مشيرًا إلى وجود 6285 شركة سعودية في مصر باستثمارات تفوق 30 مليار دولار، بجانب وجود 274 علامة تجارية مصرية، وأكثر من 574 شركة مصرية في الأسواق السعودية.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن حجم التبادل التجاري بين السعودية ومصر وصل إلى 8 مليارات دولار خلال العام الماضي حيث شهد انخفاضاً بحوالي 15% مقارنة بعام 2019 بسبب التداعيات الاقتصادية للجائحة، وتعد المملكة ثاني أكبر سوق خارجي للصادرات المصرية، كما تعد مصر ثامن أكبر مستقبل للصادرات السعودية، فيما تعتبر المملكة ثاني أكبر مستثمر في مصر باستثمارات تخطت الـ 6 مليارات دولار موزعة على أكثر من 500 مشروع استثماري، بينما تبوأت مصر المرتبة الثانية في قائمة أكبر الدول التي تم إصدار رخص استثمارية لها بالمملكة العربية عام 2020 بإجمالي 160 رخصة استثمارية كما بلغ إجمالي الاستثمارات المصرية في المملكة نحو 1.4 مليار دولار بنهاية عام 2020، وهي مؤشرات تعد إيجابية للغاية في ظل انخفاض تدفقات الاستثمار العالمي بنسبة 42% عام 2020 مقارنة بعام 2019 وفقاً لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد".
وسبق لمجلس التنسيق السعودي المصري الذي أسسه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، إبرام 17 اتفاقية شكلت خارطة طريق للتعاون الاقتصادي بين البلدين، في مجالات الإسكان والبترول والتعليم والزراعة والصحة، شملت اتفاقية لتطوير مستشفى القصر العيني بقيمة 120 مليون دولار، واتفاقية أخرى لتمويل إنشاء محطة كهرباء غرب القاهرة 100 مليون دولار، إلى جانب توقيع 10 اتفاقيات تفاهم لتمويل مشروعات جديدة ضمن برنامج الملك سلمان لتنمية شبه جزيرة سيناء، من بينها تأسيس جامعة الملك سلمان الدولية، وإنشاء 13 تجمعًا زراعيًا في شبه جزيرة سيناء بقيمة 106 مليون دولار، وغيرهما من المشروعات التنموية.
كما يقوم الصندوق السعودي للتنمية منذ سنوات بتقديم منح وقروض لتنفيذ مشروعات تنموية في عدة محافظات مصرية، وفي الوقت نفسه يستقبل السوق السعودي سنويا آلاف الأطنان من السلع الغذائية والزراعية والصناعية المصرية.
تبادل ثقافي وفني دائم
يعد التراث الثقافي والإنساني المشترك لشعبي المملكة ومصر واحدًا من أهم أركان التقارب بين البلدين، وغنيًا عن البيان أن التعاون على المستوى التراثي والثقافي والإعلامي بين السعودية ومصر يكاد ألا يتوقف، فالمملكة حريصة على الحضور الدائم في الفعاليات الثقافية المصرية مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب وغيره من الفعاليات الفنية سواء في دار الأوبرا أو المسارح أو المناسبات الموسيقية والغنائية والمعارض التشكيلية والأمسيات الشعرية، بينما تصدح أصوات فناني ومطربي مصر في سماء المملكة خلال الفعاليات التي تنظمها الهيئة العامة للترفيه، كما تشارك الفرق الفنية المصرية في المهرجانات التي تستضيفها المملكة، فضلا عن الإسهامات في المعارض الفنية والتراثية وسباقات الهجن ومهرجانات التمور.
وقد شهدت القاهرة في شهر يونيو الماضي توقيع مذكرات تفاهم هامة بين مجموعة قنوات أم بي سي السعودية والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية المصرية للتعاون بين الجانبين، في مواجهة عمليات القرصنة فضلا عن إنتاج الأعمال الدرامية الكبرى، وحصول إم بي سي على حقوق استغلال وتوزيع مصنفات فنية من إنتاج الشركة.