مولد خيار الثورة والمقاومة.. عاصفة «فتح» تستعيد هوية القضية الفلسطينية
الرصاصة الأولى التي انطلقت داخل فلسطين المحتلة، لم تسجل فقط مولد أول تنظيم ثوري عربي قبل 57 عاما، معلنا خيار الثورة والمقاومة في وجه دولة الاحتلال. والرصاصة الأولى التي أطلقتها عاصفة «فتح» لم تكتف بتسجيل موعد الشرارة الأولى لانطلاق الثورة الفلسطينية لتستعيد هوية القضية بيد أبنائها، وإنما تحتفظ الذاكرة العربية بمولد وعي جيل عربي كامل ارتبط بالمقاومة ويتغنى بعمليات «فتح» ويفاخر بها، وفي زمن عربي كان غيورا على وحدة المصير العربي.
وتسجل الذاكرة العربية، الرسالة الأولى لمولد حركة «فتح» الفلسطينية، التي انطلقت في زمن الانكسار والهزيمة (بعد نكسة 1967) لتكون خيار الثورة والمقاومة، ومفتاحا للفعل والحركة في مواجهة دولة الاحتلال.
تفجير «نفق غليون».. أول عملية عسكرية لحركة فتح
وهكذا.. تصدّرت حركة «فتح» موقعا متفردا في سجل التجارب الثورية العالمية، ومنذ بدايات انطلاق الرصاصة الأولى قبل 57 عاما، في الأول من يناير/ كانون الثاني من العام 1965، حين قامت «فتح» بنسف نفق عيلبون في أول عملية عسكرية لها في الأرض المحتلة باسم قوات «العاصفة»..ويحمل بطل تدمير نفق عيلبون، الشهيد أحمد موسى إبراهيم الدلكي، لقب أول شهيد لحركة فتح.
أًصبحت حركة فتح بعد عملية «نفق عیلبون»، التي تم فیھا تفجیر شبكة مياه إسرائيلية، الحركة الأكبر، ويلتف حولها السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني، ثم تواصلت عملیات حركة «فتح» منذ العام 1965 معلنة أن السبيل الوحيد لاسترداد الحقوق المغتصبة، ينحصر فقط في الثورة و الصمود و المقاومة، مما شكل صداعا مزمنا في رأس دولة الاحتلال.
تأسيس الحركة
الخطوة الأولى لتأسيس حركة فتح، بدأت قبل نهاية العام 1957 (يعد تسع سنوات من انكسار الجيوش العربية واغتصاب جغرافية فلسطين في العام 1948) حیث عقد لقاء ضم ستة أشخاص ھم: یاسر عرفات، وخلیل الوزیر، وعادل عبد الكریم، وعبد الله الدنان، ویوسف عمیرة، وتوفیق شدید، وهو اللقاء التأسيسي الأول لحركة «فتح»، رغم انقطاع الأخیرین عن التواصل بعد فترة وجیزة، وصاغ المؤسسون ما سمي «ھیكل البناء الثوري» و«بیان حركتنا»، واتفقوا على اسم الحركة من الأحرف الأولى للتنظیم مقلوبة (حركة التحرير الوطني الفلسطيني)، من «حتوف» ثم «حتف» إلى «فتح»، وتبع ذلك انضمام أعضاء جدد منذ 1959 كان أبرزھم صلاح خلف، وخالد الحسن، وعبد الفتاح حمود، وكمال عدوان، ومحمد یوسف النجار..
ويسجل تاريخ الحركة أن «رابطة الطلبة الفلسطينيين في الجامعات المصرية» لعبت دورا هاما في تأسيس «فتح»، وخاصةً منذ تسلم یاسر عرفات رئاسة الرابطة ( 1952 – 1956 ) والدور العربي والعالمي، الذي لعبته الرابطة في بعث القضیة الفلسطینیة، فمنذ العام 1954 ابتدأ خلیل الوزیر «أبو جھاد»، أحد أبرز مؤسسي حركة «فتح» العمل المسلح ضمن مجموعات فدائیة صغیرة.
فلسطيننا ـ نداء الحياة
بدأ الظهور الإعلامي لحركة فتح في العام 1959 من خلال منبرھا الإعلامي الأول مجلة «فلسطیننا – نداء الحیاة»، التي صدرت في بیروت ـ شھر نوفمبر/ تشرین الثاني ـ وھو نفس العام الذي شھد اندماج معظم البؤر التنظیمیة الثوریة المنتشرة المتشابھة الأھداف، والتي حققت أوسع استقطاب شمل ما یزید على 500 عضوا، وقامت مجلة «فلسطیننا» بمھمة التعریف بحركة «فتح» ونشر فكرھا وأهدافها، ما بین 1959 – 1964 واستقطبت من خلالھا المجموعات التنظیمیة الثوریة الأخرى، فانضم في تلك الفترة كل من: عبد الفتاح حمود، وماجد أبو شرار، وأحمد قريع، وفاروق قدومي، وصخر حبش، وھاني الحسن، وھایل عبد الحمید، ومحمود عباس، ویحیى عاشور، وزكریا عبد الحمید، وسمیح أبو كویك، وعباس زكي وغیرھم الكثیر إلى صفوف الحركة الناشئة، والتي أثبتت تواجدها على الساحة العربية، لتطور علاقاتها العربية، ففي العام 1962 حضرت «فتح» احتفالات استقلال الجزائر، ثم افتتحت مكتبھا في العاصمة الجزائریة عام 1963 برئاسة خلیل الوزیر.. في العام 1963 أصبحت سوریا محطة مھمة لحركة «فتح»، بعد قرار حزب البعث السوري السماح لھا بالتواجد على الساحة السوریة، وانتقل مؤسس وقائد الحركة الثورية الفلسطينية یاسر عرفات من الكويت إلى دمشق لیعمل على تطوير التنظيم على خط المواجھة في لبنان وسوریا والأردن وفلسطین.
البلاغ العسكري رقم (1)
وجاء في البلاغ العسكري رقم (1) لحركة فتح: «اتكالا منا على الله، وإيمانًا منا بحق شعبنا في الكفاح لاسترداد وطنه المغتصب، وإيمانًا منا بموقف العربي الثائر من المحيط إلى الخليج، وإيمانًا منا بمؤازرة أحرار وشرفاء العالم، لذلك تحركت أجنحة من قواتنا الضاربة في ليلة الجمعة 31/12/1964، 1/1/1965 وقامت بتنفيذ العمليات المطلوبة منها كاملةً ضمن الأرض المحتلة، وعادت جميعها إلى معسكراتها سالمة. وإننا لنحذر العدو من القيام بأية إجراءات ضد المدنيين الآمنين العرب أينما كانوا؛ لأن قواتنا سترد على الاعتداء باعتداءات مماثلة، وستعتبر هذه الإجراءات من جرائم الحرب. كما وأننا نحذر جميع الدول من التدخل لصالح العدو، وبأي شكل كان، لأن قواتنا سترد على هذا العمل بتعريض مصالح هذه الدول للدمار أينما كانت. عاشت وحدة شعبنا وعاش نضاله لاستعادة كرامته ووطنه».
البيان السياسي رقم (1)
صدر البيان السياسي الأول في 28 يناير/ كانون الثاني 1965 موضحا أن المخططات السیاسیة والعسكرية لحركة «فتح» لا تتعارض مع المخططات الرسمیة الفلسطینیة والعربیة، وأكدت الحركة على ضرورة التعبئة العسكرية والتوريط الواعي للجماھیر العربیة، وشكلت الحركة ( مجلس الطوارئ) عام 1965 برئاسة یاسر عرفات.
عبد الناصر: «الثورة الفلسطينية وجدت لتبقى»..وأبو عمار يرد : «لتبقى وتنتصر»
وتسجل ذاكرة فلسطين انهماك القائد ياسر عرفات «أبو عمار» بعد عودته من الضفة الغربية، في العمل على تصعيد الكفاح المسلح داخل فلسطين عبر نهر الأردن، وإرسال الأسلحة للمقاتلين في الداخل، وبدأ الاتصال بالقيادة المصرية بعد أن قرر جمال عبد الناصر دعم «فتح» وكفاحها، ولعب الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل دور الوسيط بالتعاون مع هايل عبد الحميد (أبو الهول)، وتم الاتفاق على دعوة اللجنة المركزية لحركة فتح برئاسة أبو عمار للقاء عبد الناصر في القاهرة، بينما كان عبد الناصر قد قرر أن يسبق الاجتماع بإرسال شحنة كبيرة من الأسلحة حملتها طائرة عسكرية مصرية إلى دمشق، كما اعتمد برنامج تدريب عسكري مكثف لكوادر حركة فتح في القاهرة. وانعقد الاجتماع في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر/ أيلول 1967 وحضره أبو عمار، وصلاح خلف، وخالد الحسن، وفاروق قدومي، وهايل عبد الحميد.. وقال عبد الناصر في الاجتماع عبارته الشهيرة (لقد وجدت الثورة الفلسطينية لتبقى).. ويرد أبو عمار : (نعم يا سيادة الرئيس وجدت لتبقى وتنتصر).
وطلب عبد الناصر من أبو عمار تصعيد الكفاح المسلح الفلسطيني لبث الرعب والقلق والصدمة لدى إسرائيل واستنزاف دولة الاحتلال، بينما تعد مصر وسوريا مع العرب معركة التحرير وإزالة آثار العدوان. وكان قرار عبد الناصر الاستعداد لمعركة كبرى مع إسرائيل لتحرير الأرض التي احتلت عام 1967 تحت شعار «إزالة آثار العدوان»، وأن تكون الثورة الفلسطينية حليفا له في معركته، وطليعة فلسطينية لمواجهة دولة الاحتلال.
أول تنظیم فلسطیني يستعید زمام المبادرة في القضیة الفلسطینیة
واستطاعت حركة فتح أن تشق الطریق وتقیم أول تنظیم فلسطیني يستعید زمام المبادرة في القضیة الفلسطینیة، وتابعت «فتح» بناء تنظیمھا على طریق الثورة، وكانت ترى بنوایاھا الحسنة أن كل خطوة على ھذا الطریق وكل تجمع فلسطیني على ھذا التفكير، مھما تعددت واختلفت مصادره ونوایاه، سیكون فیھ عودة بالولاء الفلسطیني إلى قواعده الحقیقیة، تشده إلى أھداف الشعب الفلسطيني في العودة والتحریر. وعلى ھذا الأساس اختارت «فتح»:
أولاً: أن تركز جھدا أكبر في تكثيف قواعدھا العسكریة على الأرض الحقیقیة للثورة حتى تصبح قادرة على بدء عملیاتھا في وقت أقصر.
وثانیاً: أن تطرح التجربة في محاولة لتجمیع الحركات الفلسطینیة في تنظیم واحد یعید تركیز الوحدة الوطنیة ویحفظ للشخصیة الفلسطینیة استقلالھا بفكرھا وتخطیطھا وولائھا للأھداف الفلسطینیة، ومن هنا ألقت «فتح» بثقلھا مع فكرة منظمة التحریر «القوية» تقف بھا صلبة في مواجھة استحقاقات المرحلة الجدیدة.
وثالثا: التوجه للساحة الدولية «الأممية»..وقد رجت كلمات أبو عمار، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، أرجاء الجمعية العامة للأمم المتحدة التي شهدت أولى خطاباته في 1974، ليصبح بذلك أول ممثل لمنظمة من غير الأعضاء، يلقي خطابًا رسميًا أمام المنظمة الدولية، وناشد الأمم المتحدة لتمكين الفلسطينيين لإقامة سيادة وطنية مستقلة على أرضهم.
وجاء في هذا الخطاب العبارة الشهيرة: «لقد جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون مع بندقية ثائر.. فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي»..وعقب الخطاب، منحت منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في الأمم المتحدة وتم الاعتراف بحقها في تقرير المصير.
مؤسس فتح.. يعلن قيام دولة فلسطين
وخلال العام 1988، ومن قلب قاعة قصر الصنوبر بالعاصمة الجزائرية، وأمام المجلس الوطني الفلسطيني، حمل عرفات بندقية في يده وغصن أخضر في الأخرى، ليعلن قيام دولة فلسطين.. وصدح إعلان الوثيقة بصوت الشهيد عرفات، وخطها الشاعر الراحل محمود درويش: «إن المجلس الوطني يعلن، باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني، قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف»..وانتقلت الحالة الثورية من الرئيس الفلسطيني، إلى 105 دولة لتعترف هي الأخرى بقيام دولة فلسطين المستقلة، وتم نشر 70 سفيرًا فلسطينيًا في عدد من الدول المعترفة بالاستقلال.