أحمد الخميسي يكتب: الـمــرأة الـــمـصـريـــة .. وحـــديــــث الـــقــــفــــة
تظل جريمة قتل " نيرة " فتاة المنصورة رغم بشاعتها ذات دلالة فردية، لأن المجرم كما كشفت اعترافاته في التحقيق مختل نفسيا، وبالطبع فإن ذلك لا يبرر له ما قام به ولا يشفع في تخفيف العقاب. لكن يبقى أن الحادثة ليست مرتبطة لا بوضع اقتصادي عام، ولا بقضية عامة، ويظل مغزاها فرديا، إلا أن أهمية الحادثة في أنها ألقت الضوء على طبقات من الوعي الاجتماعي الذي يكتنف وضع المرأة، ويقودها إلى دروبه، بالعنف الفكري. وكان حديث مبروك عطية أبرز نماذج ذلك الوضع حين خاطب المرأة بقوله : " لوحياتك غالية عليك اخرجي من بيتكم قفة"! ومن المدهش ألا يرى المرء في الدم الذي يسيل سوى ملابس القتيل! فيوبخ الضحية ويلومها بدلا من أن يوجه سهامه إلى القاتل وعوضا عن ادانة الجريمة يقوم بادانة الضحية! وشتان ما بين طه حسين الأزهري الذي ذكر أنه كان يحمل علبة أدوات الزينة لزوجته سوزان بكل محبة وتقدير، وبين أزهري آخر جاء بعد أكثر من نصف قرن لينصح المرأة أن تكون قفة لا أكثر. ويؤكد الفارق بين نظرة طه حسين، ومبروك عطية حقيقة أن الدين لا يقود الناس إلى التطرف، لكن الناس هم الذين يقودون الأديان إلى التطرف. وفي واقع الأمر فإن تصريح " القفة " وصاحبه ليس سوى حلقة في سلسلة تتفجر بطبقات الوعي المتخلف على ألسنة عبد الله رشدي، وأمثاله، وجدير بالذكر في ذلك السياق أن محاميا شهيرا هو نبيه الوحش صرح في أبريل 2017 بقوله : " لبنت اللي مش بتحافظ على نفسها ولابسه بنطلون مقطع اغتصابها واجب قومي والتحرش بها واجب وطني"! ويتضح عمق ذلك الوعي الاجتماعي المتخلف في تعليقات الكثيرين على جريمة المنصورة، ومنها تعليق في فيس بوك يقول صاحبه : " كان أغتصبها احسن"! وتعليق آخر لشخص يبريء القاتل قائلا : " ياريت نفهم اللي حصل، جايز أنها تستاهل اللي جرى لها وأنتم ظالمين الولد، لأن شكله راجل محترم اصلا"!! بل وذهبت بعض الأقوال إلى حرمان " نيرة " من دخول الجنة مع ان أمرها بيد الله وحده سبحانه وتعالى. إلى هذه الدرجة يتشبع الوعي العام بأن المرأة يجب أن تلزم البيت، وأن تصبح " قفة " وليست عالمة أو كاتبة أو مناضلة أو زميلة كفاح، فإذا لم تقبل بذلك المصير أصبح قتلها مباح . وقد أثارت الجريمة سؤالا آخر يتعلق ببلورة الوعي العام لكنه يخص هذه المرة مسئولية الثقافة عن استقرار الوعي المتدني بقضية المرأة وعن مدى مساهمة الأفلام التي تقدم البلطجي نموذجا وبطلا؟ عن الأغنيات التي هبطت حتى القاع بالكلمات والمعنى؟ بل وعن ما مدى مساهمة التربية والتعليم في تكريس ذلك الوعي؟ واعتناق أن المرأة تؤخذ بالقوة ويجوز ضربها واهانتها؟. ولقد تقدمت د. مايا مرسي رئيس المجلس القومي للمرأة ببلاغ للقضاء ضد مبروك عطية وأوضحت سبب ذلك بقولها:"إن دماء هذه الفتاة وغيرها في رقبة كل رجل دين خرج وتكلم عن ملابس البنات واستباح أمنها". كما قامت جمعيات نسائية أخرى بتقديم بلاغات مشابهة. لكن ذلك وحده لا يمثل حلا للمشكلة، لأن المشكلة تستلزم منا تجديد الخطاب التعليمي، والثقافي، والفني، لكي نطوق بكل ذلك خطاب " القفة " ونحاصره، ولكي نرسخ في الوعي، وفي اللاوعي، أن المرأة أجمل الكائنات، وأنبل الأخوات، ورفيقة النضال، والقلم، والعلم، ومن دونها لا توجد حياة ولا أمل.