بقلم.. ا.د عبدالله جاد الكريم..هل الزوجة مُلزمةٌ بخدمة زوجها أم غير مُلزمةٍ؟
يقول الله تعالى:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إليها وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَحْمَةً)[الروم:21]. فعلاقة الزوج والزوجة قائمةٌ على المودَّة والرَّحمة وهي أسمى درجات الحبِّ، ومعلومٌ أنَّ الله تعالى خلقنا مُتفاوتين ومُختلفين في أمورٍ كثيرةٍ، يقول تعالى:(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ) [الروم:22]، وكذلك الاختلاف في الرزق والصحة والعلم، وغير ذلك، يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ)[الأنعام:165]. فالزوجة التي تمتلك الصحة والقدرة والكفاءة على خدمة زوجها وكانت تخدم في بيت أهلها ملزمة بخدمة زوجها، لأننا عند تقدير مهرها نلجأ لمهر مثيلاتها في العائلة (مهر المثل)، ومَنْ أراد الزيادة فله ذلك ولا حرج، وإنْ أرادت الزوجة التنازل عنه بطيب نفس فلها ذلك ولا حرج، إذن إذا كانت تخدم في بيت أهلها كباقي بنات العائلة فلها خدمة زوجها وأولادها، وكذلك يمكننا معرفة الزوجة الولود من غيرها بالنظر إلى حال بنات عائلتها، كالأم أو الأخت أو الخالة.. الخ، وهذا ينطبق على القول الدارج (عيش عيشة أهلك).
وأمَّا إذا كانت غير متعودة ولم تتربَ على الخدمة في بيت أهلها ولم تتدرب، ولا تمتلك المهارة والكفاءة، فليست مُلزمة بخدمة زوجها؛ لأننا في هذه الحالة نكلفها بما لا تطيق، ويعسر عليها ذلك، وهذا يُشبه أنك تطلب منها قيادة السيارة؛ وهي لا تُجيد القيادة، فالنتيجة بلا شكٍّ ستكون كارثية عليها وعلى الزوج وعلى المجتمع، أمَّا إذا كانت متعودة ومدربة فستنجح في ذلك وتنفع الجميع، والله تعالى يقول: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة:185]، ويقول نبينا الكريم:(يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا)[صحيح البخاري:69].
إذن خدمة الزوجة لزوجها ليس تعنتًا أو استعبادًا إنَّما مُراعاةً للعُرف الذي يؤخذ به في التشريع ما لم يعارض أصلاً من أصول الدين، وكذلك تأكيدًا وتوطيدًا للعلاقة القائمة على المودة والرحمة، كما يفضل تدريب الفتيات على العمل بيوتهنَّ، فقد قال سيدنا عمر بن الخطاب:(اخشوشنوا فإنَّ النعمة لا تدوم).
ولو قلنا –جدلاً- أنَّ كُلَّ الزَّوجات غير ملزمات فمَنْ سيخدم الأزواج والزوجات غير الملزمات وغير الملتزمات؟! لن نجد من النساء مَنْ يقوم بالخدمة، فهل نستعين بالرجال يخدمون في الخارج لتوفير نفقات المعيشة وفي الداخل أيضًا؟؟!
الأصل أنَّ الزوج ملزمٌ بالسعي والعمل للإنفاق على الأسرة، والزوجة راعية في بيت زوجها في ماله وعِرْضه وولده. وهذا لا يمنع إذا كانت الزوجة مريضة أو غير قادرة أن يقوم الزوج بمساعدتها في أعمال البيت، فقد كان النبي يحلب شاته ويرقع نعله ويخيط ثوبه، وكثير من الرجال يفعل ذلك، الأمر الذي يُوطِّد العلاقة والمحبة بين الزوجين، خاصة في ظل الظروف المعيشية الحالية.
إذن التشريع الإسلامي لم يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا راعاها، كالتفاوت الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والصحي، المُهمُّ لا نُكلِّفُ النَّفس ما لا تُطيق، يقول تعالى:( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)[البقرة:286]. ويقول تعالى:(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)[الطلاق:7].
إذن الزوجة ملزمةٌ بخدمة زوجها وأولادها في أحوالٍ إن كانت تفعل قبل زواجها، وغير مُلزمةٍ في أحوالٍ أخرى إن لم تكن تفعل قبل زواجها، لكن يقول تعالى:(فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ)[البقرة:184].وهو أفضل للزوج والزوجة والأسرة والمجتمع، والله ولي التوفيق والسداد.