رأسان.. لأحمد الخميسي
نزيل الفندق الفاخر عندما يركب سيارة أو يهبط منها يسارع عامل هندي شاب ليفتح له الباب. يهبط الراكب أو يصعد برأس مرفوع، بينما يحني العامل الهندي ظهره حتى يكاد رأسه أن يلامس الأرض. ثمة علاقة وثيقة وعميقة بين تكبر صاحب السيارة وانسحاق العامل الهندي، بين الرأس المرفوع والرأس المحني، علاقة تنشأ للحظة، تمنح صاحب السيارة شعورا خاصا لأن إنسانا آخر بكل حياته، وذكرياته، وطموحه، مكرس فقط ليمنحه الشعور بالأهمية وبأنه أعلى شأنا من أن يمد يده ليفتح بابا، فهناك من سيفعل هذا نيابة عنه، وهناك من سيطبخ، ويكوي، ويعمل، نيابة عنه. أما الهندي الذي تعلم لسنوات طويلة كيف يحني رأسه، وكيف يبدي على وجهه ملامح التواضع الجم، فإنه يفكر في أن سنوات شبابه مكرسة للاشيء، إنه لا يزرع، لا يصنع، لا يبني، إنه فقط ينتج الشعور بالأهمية ويتقاضى راتبه ليؤكد لصاحب السيارة أنه شخص استثنائي، كل لحظة في حياته مقدسة. علاقة وثيقة بين المال والجوع، والتكبر والمذلة، والتجبر والانسحاق، وفي المسافة الممتدة بين الرأسين المرفوع والمحني يمكنك أن تقرأ حياتنا كلها.