أحمد الخميسي يكتب: نــســاء وحــب وأزيـــاء
يوافق 25 نوفمبر من كل عام اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وفي هذه المناسبة قد نتذكر الرحلة الشاقة التي قطعتها المرأة نحو التحرر من أشكال القمع ومنعها من العمل والتعلم والمشاركة في الحياة السياسية، واخفائها كأنها ليست موجودة بالأزياء القمعية، بينما أباح المجتمع في الوقت ذاته وقبل ببيع المرأة جسدها علنا. وهنا تحضرني مذكرات الكاتب العالمي ستيفان زفايج " عالم الأمس" التي صدرت بعد انتحاره عام 1942، وفيها يتوقف الكاتب عند وضع المرأة أوائل القرن العشرين، وارتباطه بتطور الأزياء الذي رافق درجة التقدم، وصلة ذلك بحرفة بيع المتعة، ويقدم لنا وضعها مرتبطا بتطور الأزياء وحرفة بيع المتعة، وذلك في وحدة حية تتشابك عناصرها بالتفاعل والتأثير. ويقول زفايج في ذلك : " إن أزياء أي عصر تكشف لنا عن أخلاقه أيضا عن غير قصد.. وليس مصادفة أننا نضحك الآن، أي عام 1941، عندما نشاهد أزياء الناس في عام 1900.. ونرى سيدة الماضي بالشرائط والكشاكش وفي حلة مثل الفارس المدرع من دون أن تستطيع أن تتحرك حرة وخفيفة.. فضلا عن أن ليس هذه الأزياء وخلعها كان اجراء مزعجا ومستحيلا من دون عون الآخرين". ويفسر ظهور تلك الأزياء بقوله إنه : " كان ينبغي اخفاء خطوط جسد المرأة تماما بحيث لا يستطيع عريسها أن يعرف ما إن كانت عروسه حدباء أم مستقيمة.. وبذلك كان الزي الدارج يمتثل للنزعة الأخلاقية لعصر كان التستر شغله الشاغل في تظاهره بالحشمة.. وبالعكس فإن كبت الشباب أدى لمزيد من الاثارة ". أما المرأة فقد كانت محرومة حتى من الخروج بمفردها، أو ركوب الدراجة أو الحصان، ويقول إنه مازال يذكر كيف خرجت خالته من منزل زوجها فجرا في ليلة العرس واتجهت إلى أهلها صارخة إن " ذلك الرجل المجنون الذي تزوجته حاول أن ينزع عنها ثيابها "! وفي مقابل انكار وجود المرأة بالأزياء سمحت المجتمعات في أوروبا وغيرها بقيام عالم سري من البغاء، ويقول زفايج إن: " حياة الشباب الجنسية كانت تجري تحت السطح الأخلاقي للمجتمع،مثلما تجرى مختبئة شبكة صرف النفايات الصحية تحت شوارع نظيفة.. ويكاد لا يكون عند الجيل الحالي فكرة عن الانتشار الهائل للبغاء في أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى، فقد كانت مئات النساء يجلسن ويعرضن أنفسهن من نوافذهن المسواة بالشارع كما في يوشيوارا في اليابان، أو سوق السمك في القاهرة، وفي شوارع فيينا ولم يكن ابتياع امرأة مدة ساعة يكلف المرء إلا بقدر ما يكلفه ابتياع علية سجائر أو صحيفة.. بينما استخدم بعض الآباء طريقة أكثر غرابة إذ أنهم شغلوا خادمة حلوة في المنزل وظيفتها منح الشاب بعض التجارب العملية.. هذا بينما كان الفلاحون في مطلع القرن يقومون بقذف النساء الجريئات اللواتي ركبن دراجة بالحجارة".
يربط ستيفان زفايج بين تطور الأزياء ، وقضية تحرر المرأة ، وانتشار الدعارة ثم انحسارها مع تطور المجتمع وحصول المرأة على حقوقها، ويذكر أن الحظر والمنع على العكس مما هو منشود لم يؤد قط لإطفاء الرغبات بل كان يشعلها وأن المنع عامة:" يشغل الحواس ويثير الرغبة.. وكلما قل ما تراه العين وما تسمعه الأذن زاد ما يراه الانسان في المنام"، لكن الوقت كان يعلي من حقيقة أن : " أن الخليقة تقتضي قطبا أنثويا من أجل غاياتها الأبدية". وتوضح صورة المرأة في أوائل القرن وصورتها الآن معالم الرحلة الطويلة التي قطعتها المرأة لكي تنتزع حقوقها لكي يفهم الجميع أنها " إنسان" قبل أن تكون أنثى، ولاشك أن المرأة سوف تواصل انتصاراتها يوما بعد يوم، لكي تشغل المكانة التي تستحقها في العقول وليس في القلوب وحدها.