أحمد الخميسي يكتب: تــزيــيــف الــثــقــافــــة
لي أمنيات عديدة في العام الجديد. من أمنياتي أن نتمكن من إزالة طبقة الثقافة الزائفة الطافية مثل زيت ثقيل على السطح تخفي ما في الأعماق من أعمال جادة. وبنظرة سريعة سنجد أن قسما من الأدب أصبح " بيزنس" بحيث يمكن لكل عديم الموهبة أن يدعي أنه كاتب. في هذا السياق ظهرت فئة من محترفي الكتابة للغير ينشر أفرادها مثل هذا الاعلان الذي صادفني بنصه على فيس بوك: " كاتب ومحرر صحفي لو حد محتاج مقالات أو قصص أو روايات يكلمني. السعر حسب الاتفاق"، مما أفضي إلى ظهور الكثير من الأعمال المزيفة التي تشتمل على استنساخ المؤلفين الكبار عالميا مع تعريب أسماء الشخصيات. في الوقت نفسه تتفشى في الوسط ظاهرة ما يسمى بالأكاديميات والمراكز العلمية التي تمنح كل من هب ودب شهادات الدكتوراه الفخرية بمقابل مادي من دون أي أساس علمي لا للأكاديميات ولا للحاصلين على شهاداتها، ويوضح ذلك الاعلان التالي باسم أكاديمية : " ح تعرف معانا حاجات كتير .. إزاي تلاقي الجزء المبدع اللي جواك .. مع المحاضر الذي قام بتدريب دورة مهارات التفكير الابداعي أكثر من تسعين مرة لشركات عالمية"، وبالطبع فلابد من دفع اشتراك مالي ضخم لكي تعرف ذلك الجزء المبدع الذي يتحدث عن المحاضر، من دون أن يرد ذكر لاسم شركة واحدة من الشركات العالمية التي نظم المحاضر فيها دوراته، وقد تفشت تلك الظاهرة حتى أن وزير التعليم د. أيمن عاشور أعلن منذ أيام عن اغلاق 358 كيانا تعليميا وهميا في مختلف محافظات مصر، كما أوضح المتحدث باسم الوزارة أنه صدر قرار بتشكيل لجنة متخصصة لرصد الأنشطة التسويقية للكيانات التعليمية الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي. وتشتد عملية تزييف الأدب، والتعليم مع انتشار المكاتب العلنية لاعداد رسائل الماجستير والدكتوراة التي تباع لمن يدفع بغض النظر عن أى مستوى علمي، فيصبح أصحاب تلك الشهادات خلال دقائق أساتذة عظام يطفون على السطح. ويضع ذلك كله عملية الثقافة والتعليم في مهب الخطر بعد أن صارت الشهادات العلمية تمنح في دقائق بمقابل مادي، كما تعد الكتب والمقالات والقصص والروايات لشخصيات أخرى في أيام معدودة ، بل ويتدخل حتى التطور العلمي الفائق في تزييف الثقافة، ومن ذلك أن هناك برنامجا للذكاء الاصطناعي فائق الذكاء يسمى chatGPT ، سألوه إن كان قادرا على كتابة شعر عربي، فأجابهم بالقصيدة التالية : " عندما يحل الليل ويغيب النهار، وتغيب الأحلام في الليل الطويل، أحس بضياع الهدف والغموض في عالم مليء بالظلم والخداع"ّ !
من قبل كان تزييف الثقافة يتم بدخول المحترفين إليها، محترفون بلا رؤية، أو حس، يكتبون ما يشبه الأعمال الأدبية من الخارج، أما الآن فقد تفشى تزييف الثقافة عبر الأكاديميات الوهمية، والمراكز العلمية مجهولة النشأة والتوجه، وعبر فئة تعرض خدماتها الفنية عليك وتكتب لك رواية وقصة ومقالا ومسرحية.. ثم تدخل التطور العلمي ليضاعف من كل ذلك ببرامج الذكاء التي تكتب لك ما تشاء من كلام يشبه الشعر ويشبه الفن، ولا علاقة له لا بهذا ولا بذاك.