أحمد الخميسي يكتب: يوم عالمي للقصة القصيرة
احتفل الأدباء والمثقفون في عدة أقطار عربية باليوم العالمي للقصة القصيرة الذي يوافق 14 فبراير من كل عام. وقد تبلورت الرواية وشقت طريقها من أوائل القرن 17( دون كيخوته 1615)، بينما ظهرت القصة القصيرة بعد ذلك بنحو مئة وخمسين عاما، لتقوم بدور فكري وفني محدد وتسد احتياجا خارج طبيعة الرواية، ألا وهو التقاط اللحظات الصغيرة باعتبارها منفذا إلى العالم. وبرز في ذلك المضمار ثلاثة من المؤسسين الكبار أولهم ادجار الآن بو وثانيهم موباسان الفرنسي وثالثهم في نفس المرحلة تقريبا الروسي أنطون تشيخوف الذي أشاد بدور موباسان في خلق شكل القصة القصيرة. عندنا في العالم العربي تاريخ طويل من السرد، بدءا من الحكايات الشعبية، والخرافية، والسير الشعبية، وقصص ألف ليلة وليلة، وصولا إلى المقامات التي بدأها بديع الزمان الهمذاني أواسط القرن التاسع ميلادي، والمقامة شكل من سردي يقدم أحداثا أو طرائف أو حكاية تنتهي بموعظة لكنها ليست القصة القصيرة التي ظهرت في مصر في عشرينيات القرن العشرين بعد نحو سبعين عاما من ظهور القصة في العالم، وكان ظهورها الأول على يدي العبقري متعدد المواهب محمد تيمور بقصته " في القطار" عام 1917، ثم على أيادي مجموعة المدرسة الحديثة في الأدب : يحيي حقي، وطاهر لاشين، والأخوين عيسى وشحاته عبيد، وقد وثق يحيي حقي تلك التجربة في كتابه " فجر القصة المصرية"، الفجر الذي كان حقي من أهم رواده بدءا من مجموعته الأولى " دماء وطين" عام 1929. واتصل بعد ذلك تاريخ القصة على أيادي أساتذة كبار منهم توفيق الحكيم، وعبد القادر المازني، ومحمود البدوي إلى أن ظهر يوسف إدريس فأقام صرح القصة القصيرة شاهقا ومتجاوزا كل البدايات. وأظن مع طبيعة العصر الذي نعيشه أن المستقبل مفتوح بأكمله أمام القصة القصيرة، بصفتها شكلا موجزا، ودقيقا، أثبت على مدى أكثر من قرن قدرته على التعبير والنفاذ إلى الحقائق الكبرى. بهذا الصدد – أي الايجاز الذي تتميز به القصة - كان أنطون تشيخوف يسخر من الروائيين قائلا : " إن الرواية عمل النبلاء ممن يتوفر لهم وقت طويل". وبطبيعة الحال لا يمكن وضع الرواية والقصة في حالة مواجهة، فكل منهما فن مستقل، يؤدي دورا مختلفا، وفي الوقت ذاته لا يمكن التهوين من شأن القصة، لأن هناك من القصص القصيرة ما عاش مئة عام بينما توارت خلال ذلك مئات الروايات، ونحن إلى يومنا هذا مازلنا نقرأ قصة موباسان" القلادة"، وقصة تشيخوف " رسالة الى جدي"، ومن الأدب المصري قصة يوسف إدريس "نظرة" وغيرها. تبقى القصة القصيرة عملا ساحرا يطارد اللحظات العابرة ليمنحها حياة أطول ومعنى أعمق، وقد انتشرت مؤخرا " القصة القصيرة جدا" وهي شكل ليس جديدا كما يظن البعض فقد كتب فيه كافكا ،وجابريل جارثيا ماركيز، وأنطون تشيخوف، بل وكتبها أيضا نجيب محفوظ ، وإليكم نموذجا قصة" دعابة ذاكرة" تأليف نجيب محفوظ : "رأيت شخصا ذا بطن يسع المحيط، وفم يبتلع الفيل.فسألته في ذهول: "من أنت ياسيدي؟ !" فأجابني باستغراب :" أنا النسيان هل نسيتني ؟!".
فلنحتفل معا باليوم العالمي للقصة القصيرة إنها انجاز فني ضخم في تطور الانسانية والوعي والفن.