ياسمين مجدي عبده تكتب: وجع الفراق
أكتب لكم اليوم يا أصدقائي عن وجع الفراق ...ما أقساه فإن العين لتدمع والقلب ينفطر لفراق الأهل والأحباب والوطن الغالي...نعم يا قرائي الأعزاء أقصد الغربة أفتدرون أنه موضوع صعب للغاية فهي من أصعب التجارب التي يمر بها الإنسان في حياته سواء من فارقنا أو من سيفارق المغترب فأصبحت الأن من أول ما يلجأ إليه الشاب عندما يضيق به الحال ولا يستطع العيش في هذا البلد فتعددت الأسباب والغربة واحدة فهناك من يغترب من أجل الدراسة والحصول على أعلى الشهادات وهناك من يغترب من أجل الحصول على فرصة عمل مناسبة للوصول لحال أفضل مما هو عليه.
أتعرفون يا أصدقائي ما هو تعريف الغربة هو البعد عن الوطن والأهل والأصدقاء من أجل أسباب عديدة منها العمل أو الدراسة أو بدء حياة جديدة في مكان آخر دعونا نحلل يا قرائي هذا التعريف فيلجأ الشاب للبعد عن أهله ووطنه وأصدقاؤه الذين نشأ معهم وترعرع في وسطهم ليذهب لبلد غريب لا يعرف به أحد ويجلس في زاوية بعيدًا منفردًا بين أربعة جدران لا يتحدث مع أحد ولا يشارك أحد همومه وأفكاره وهواياته التي يحبها ولكن هنا في بلده يكون وسط أفراد أسرته يشاركهم همومه وآلامه ..أحلامه وطموحاته ويتناقشوا ويتسامروا ويهونون عليه كل ما يشعر به من ألم ضيق الحال.
ولكن في الغربة أنت وحدك عزيزي الشاب من يتحدث معك؟من سيشعر بك وبآلامك ويشاركك فيها؟ من سيفرح لفرحك ويحزن لحزنك؟ لم تجد أحد تختلف اللهجات ويصعب عليك التفاهم مع أحد...فلماذا يسافر الشاب إلى بلد غريب هل من أجل الدراسة فإذا كان هكذا فأود أن أطمأنك عزيزي الشاب أن مصر الأن أصبحت تضم جامعات بمختلف اللغات ومختلف فروع الدراسة التي تود دراستها فهناك جامعة أمريكية وبريطانية ويابانية وألمانية أيضًا...هنا في مصر؟نعم عزيزي الشاب هنا في مصر فلا حجة للطالب من الهروب للدراسة خارج أرض الوطن ويكلف اسرته بدفع نفقات كبيرة من أجل هذا المشروع وفي الآخر يحصل على شهادة موجودة هنا في بلده ويمكن الحصول عليها بأسهل الطرق الممكنة وإذا كان الهروب للعمل فمصرنا الغالية الآن تحتاج لكل الكوادر الشابة من أجل بناء الدولة المصرية الجديدة فلماذا تبخل بكل ما أوتيت من طاقة وعلم على بلدك التي تعلمت فيه ونشأت وترعرعت من خيراته؟
ما هي الاستفادة عزيزي الشاب من وجع قلبك وزرف الدموع من ألم أنك تبعد عن أهلك وأسرتك ووالدتك التي كانت تهيئ لك كل شيء من أجل راحتك وإسعادك أو أسرتك الصغيرة المكونة من زوجتك وأولادك؟ لماذا تبعد عن أصدقاء رحلة الكفاح وخاصة إذا كنت أنت العمود الفقري للأسرة أنت ربها ومن تدبر لها كل شيء.
مع أن للغربة عزيزي الشاب العديد من الفوائد التي تفيدك عندما تقرر الابتعاد والانفراد بنفسك في بلد غريب لا تعرف فيه أحد ولكن تجعلك قوي تعتمد على نفسك في تدبير كافة أمورك وتقف بمنتهى القوة والحزم حيال كل العقبات التي ستقابلك وأنت مغترب إلا أن من عيوبها الأساسية أنها تتسبب في الوجع والألم ليس لك وحدك ولكن لك ولكل عزيز لديك وخصوصًا أنك ستشعر على مدار فترة اغترابك عزيزي الشاب بالاكتئاب والملل من الوحدة وهذا من الممكن أن يكون له بالغ الأثر على حياتك ومستقبلك.
أيضا تتسبب الغربة في ألم قلب الأم وخاصةً عندما تكون الابن الوحيد لها ..الأم التي لا تغفل ولا تنام طيلة فترة اغترابك عنها فتفكر فيه طوال الوقت ذهنها مشغول يذهب ويعود أين هو الآن؟ هل أكل؟ هل شرب؟ هل ينام جيدًا؟ ما أخبارالطقس عنده؟ بالرغم من وجود الآن وسائل التواصل الحديثة التي يمكن أن يتم من خلالها التواصل الحي بالصوت والصورة ولكن مازال بعيدًا عنها
تقول الكاتبة أحلام مستغانمي عن الغربة في إحدى كتاباتها " أن الناس تحسدك على الأشياء التي لا تستحق الحسد عليها" ففعلا هناك بعض الحاقدين والحاسدين الذين يحسدوك عزيزي الشاب لأنك من المؤكد أنك تحصل على فرصة عمل أحسن من التي كنت تحصل عليها وتجعلك في حالة مادية أحسن من ذي قبل ولكن لا يدرون كم تتألم وتتألم أسرتك من وجع فراقك عن أحبتك وعائلتك و أيضا كتب أديب نوبل الكبير نجيب محفوظ قائلًا "أن أشد أنواع الغربة هي التي تشعر بها في وطنك" وهذا فعلا من أقسى أنواع الغربة عندما تجد الشاب لا يوجد لديه أية انتماء أو ولاء لهذا الوطن الغالي ويجعله هناك شعور سلبي تجاه الوطن ولكن هذا خطأ فأنت مدين له بفضل كبير فضل نشأتك وتربيتك فلابد عزيزي الشاب أن ترد الجميل وتدخر مجهودك وعلمك وتعمل من أجل تقدم هذا الوطن ورفعته ولا تتركه وتهرب فهناك الكثير من الشباب الذي ترك هذا الوطن وهو في ظل أزمته الكبرى والكبوة الجليلة التي مر بها وهنا أتساءل لماذا؟ ألم تتذكر أنه وطنك ؟ألم تتذكر أنك شربت من هذا النيل هل يصح ترك فرد من أسرتك يمر بكبوة مثل التي مر بها هذا الوطن الغالي؟ فأين عائلتك التي تجلس معها في الغربة تشاركك أحلامك وآمالك وطموحك تتناقشون وتتسامرون وتضحكون وتتشاجرون أحيانا ولكن سرعان ما يذوب الخصام بين أفراد العائلة الواحدة
هناك نوع آخر من الغربة والفراق وهي أن يغترب الشاب داخل المنزل الواحد الذي يجمعه بأفراد أسرته وأصدقاء الطفولة والشباب فينزوي في ركن واحد لا يفارقه ويضع همومه في هاتفه لو تحدثنا في الفترة الأخيرة ولكن كيف يطيق ذلك؟ كيف يطيق العيش هكذا؟ لا يتحدث لا يتناقش لا يتشاجر مع أحد ولا يريد أن يجلس مع أحد؟ هل هذا يعقل؟ هل يطاق هذا؟ فيصاب بالاكتئاب والعديد من الأمراض النفسية والتي يضطر معها الذهاب إلى الأطباء وتناول الأدوية المختلفة المضادة للاكتئاب فما أصعب هذا الإحساس يا سادة ..فأتمنى من كل شاب يفكر في الاغتراب والبعد عن الأهل و الوطن أن يأخذ كل هذا الكلام في الاعتبار ولو لسويعات قليلة قبل أن يعقد النية على السفر للخارج ويقع المحذور ويندم على ما فعله.