وزير الأوقاف .. العيد وسعادة البشر
العيد فرحة، العيد بسمة، العيد علامة من علامات السعة في ديننا الحنيف الذي جاء لسعادة البشرية، حيث يقول الحق سبحانه: "طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى"، ويقول سبحانه: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ"، فالأديان كلها جاءت لسعادة البشر لا لشقائهم لا لتحرم على الناس أنفاسهم، ولا أن تكدر عليهم لحظات صفائهم وسعادتهم، حيث يقول الحق سبحانه: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ"، ويقول سبحانه: "يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ"، فما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا، ألم يقل الحق سبحانه: "رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ".
العيد من العود، ذلك أنه يعود من العام إلى العام، وهو نعمة تستحق الشكر، كونه مظهرًا من مظاهر البهجة والفرح والسعادة من جهة، وكونه فضلاً من الله تعالى يوسع فيه على عباده بالخير واليمن والبركة والكرم والفيض الإلهي من جهة أخرى.
ومما يستوجب الشكر دائمًا أن الأعياد في الإسلام تأتي مرتبطة بفضل الله (عز وجل) على عباده المؤمنين بإتمام شعائرهم ونسكهم، فعيد الفطر يعرف بيوم الجائزة، يأتي عقب إتمام صوم رمضان، بما فيه من صيام، وقيام، وبر، وصدقة، وقراءة قرآن، ودراسة علم، مما يستوجب شكر الله تعالى على هدايته وتوفيقه، وقد قال أحد الصالحين: كلما أنعم الله (عز وجل) عليّ بنعمة ثم وفقني إلى شكرها أدركت أن الشكر نعمة جديدة تحتاج إلى شكر جديد، وصولا إلى مرضاة الله (عز وجل) من جهة، ورغبة في دوام النعمة من جهة أخرى، حيث يقول الحق سبحانه: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ".
أما عيد الأضحى فيأتي ختامًا للعشر الأول من ذي الحجة مع ما فيها من الفضل وعظيم الأجر, حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ" يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"، ويقول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ".
كما أنه يأتي إثر يوم عرفة يوم الحج الأكبر، وهو اليوم الذي أكمل الله لنا فيه الدين وأتم علينا النعمة، حيث يقول الحق سبحانه : "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينًا"، وهو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران، وهو يوم المباهاة، حيث يقول نبينا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "فَمَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ".
إضافة إلى فضل يوم النحر نفسه، وما فيه من شعائر الحج وشعيرة الأضحية، حيث يقول نيبنا (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ وَهُوَ الَّذِي يَلِيهِ"، ويقول أيضًا: (يومُ عرفة ويومُ النحرِ وأيامُ التشريقِ عيدُنا أهلَ الإسلامِ، وهي أيامُ أكلٍ وشُرْبٍ"، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا".
على أن للعيد فرحته وبهجته، وله آدابه، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ", أما الآداب فمن أهمها: أن نجعل من العيد فرصة للتزاور والتراحم وإنهاء الخصومات، وصلة الأرحام، فقد نشأنا وتربينا على أن الأعياد هي من أهم مواسم ومناسبات صلة الأرحام، إذ يحرص الناس في هذه الأعياد على صلة من قطع وتعميق وصال ما اتصل منها وحق لهم، فصلة الأرحام باب واسع من أبواب الرحمة والبر، وقطعها إثم بالغ ومعصية، حيث يقول الحق سبحانه: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه"، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "إنَّ رَجُلاً زَارَ أَخَاً لَهُ في قَريَة أُخْرَى، فَأرْصَدَ الله تَعَالَى عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً، فَلَمَّا أتَى عَلَيهِ، قَالَ: أيْنَ تُريدُ؟ قَالَ: أُريدُ أخاً لي في هذِهِ القَريَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيهِ مِنْ نِعْمَة تَرُبُّهَا عَلَيهِ ؟ قَالَ: لا، غَيْرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في الله تَعَالَى، قَالَ: فإنِّي رَسُول الله إلَيْكَ بَأنَّ الله قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ"، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ: يَلْتَقِيَانِ، فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وخَيْرُهُما الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ"، ويقول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ", وفي الحديث القدسي: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنِ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ", ويقول الحق سبحانه: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ", ويقول سبحانه: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ".
أما الأمر الأهم الذي يجب أن نحرص عليه في هذه الأيام المباركة، فهو مواساة الضعيف والمكلوم، وتفريج كرب المكروبين، ومسح دموع المحزونين، وإدخال الفرحة على الفقراء والمساكين، ابتغاء مرضاة رب العالمين.