الحلقة الثانية.. أعظم البشريات.. تأملات في قوله تعالى : ” ألّا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة ”
ينتظر الإنسان بطبعه بشرى سارة تُدخل عليه الفرح والسرور وتطرد عنه الهم والحزن ، غير أن هذه البشرى وما يصحبها أو يعقبها من سعادة قد يتحولان إلى ماضٍ ، وقد يتلاشى أثرهما مع الوقت ، على حد قول الشاعر:
وما السعادة في الدنيا سوى شبح
فإن صار جسما مله البشر
كالنهر يركض نحو السهل مكتدحا
حتى إذا جاءه يبطئ ويعتكر
وقد قالوا : كل نعيم دون الجنة فإلى زوال ، إن لم يزل عنك زلت أنت عنه ، على حد قول لبيد :
وكل نعيم ( دنيوي ) لا محالة زائل
غير أن هناك نعيما لا يزول وهو نعيم الجنة ، وثمة بشرى لا يتلاشى أثرها أبدا هي تلك البشرى التي نجدها في قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَ تَشْتَهِىٓ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ" . فعلى من تتنزل الملائكة هنا ؟ تتنزل على عباد الله المؤمنين الذين قالوا : " ربنا الله ثم استقاموا " بما تعنيه كلمة الاستقامة بمعناها الجامع ، وفي أي لحظة تتنزل ؟ تتنزل عليهم في أحرج لحظة يواجهها الإنسان في حياته ، لحظة سكرات الموت ، ماذا تقول لهم الملائكة ؟ تقول لهم : اطمئنوا لا تحزنوا على ما تركتم خلف ظهوركم من الأبناء والأزواج والمال والأهل فهم في كنف الله ورعايته ؟ ولا تخافوا مما أنتم قادمون عليه ، فأنت في رحمة الله وجنته وعظيم فضله ..
وهؤلاء كما قال الحق سبحانه : " لَا يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ" ، وإذا كان الفزع الأكبر لا يحزنهم فما الذي يمكن أن يحزنهم بعد ؟ إنه لا شيء يحزنهم بعد ذلك أبدا فهم في نعيم مقيم .
و تتلقاهم الملائكة" هذا يومكم الذي كنتم توعدون " ، فالعاقل السعيد من يعمل لهذا اليوم ولا يبيع آخرته بعاجلته ، " لِمِثْلٍ هذا فليعمل العاملون " ، يقول الحق سبحانه : " مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍۢ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إنّ سلعة الله هي الجنة ، اللهم اكتبها لنا وارزقنا إياها أجمعين ، اللهم آمين .