أحمد الخميسي يكتب: حلف ال” ناتو”..حرفة العدوان
استقبلت العاصمة الأمريكية واشنطن قادة الدول أعضاء حلف "ناتو" في قمة استمرت من 9 إلى 11 يوليو الحالي احتفالا بمرور 75 عاما على تأسيس الحلف عام 1949 بديلا عسكريا استعماريا عن الامبراطورية البريطانية والفرنسية التي غربت شمسهما. ومع انعقاد القمة صرح وزير الدفاع الأمريكي بقوله إن القمة " استهدفت تعزيز الأمن المشترك للحلف". ومن المهم أن ننتبه بداية إلى أننا نتعامل مع حلف أمريكي بالأساس بحكم أن أمريكا تتحمل بمفردها نحو سبعين بالمئة من نفقات الحلف التي بلغت حسب احصاءات الناتو نحو ملياري دولار عام 2019، كما أن القوات الأمريكية داخل الحلف تصل إلى مليون و350 ألف عسكري وتمثل تقريبا نصف قوات الحلف، وبداهة فإن سياسات الحلف تخضع لمن يدفع المال ومن يجيش القوات العسكرية، أي تخضع لأمريكا. لهذا لم يكن مستغربا أن تغيب إبادة الشعب الفلسطيني في غزة عن قمة الناتو بما أن أمريكا طرف رئيسي في الإبادة لأنها هي من تمد إسرائيل بكل الأسلحة وبمختلف أشكال الدعم السياسي. وفي هذا السياق صرح صامويل وربيرج المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بقوله إن: " ملف غزة لم يكن مطروحا في شكل ملف رئيسي في هذه القمة". نعم، لم تقترب القمة من استشهاد نحو عشرين ألف طفل فلسطيني قتلوا بالدعم العسكري الأمريكي، لكن القمة أولت كل اهتمامها للحرب في أكرانيا، وبدايات تشكل حلف صيني روسي، انطلاقا من حرص الحلف على " تعزيز الأمن المشترك". ولاشك أن تعزيز ذلك الأمن كان ومازال يقتضي إبادة الشعب في غزة، أو محو غزة من الوجود، لأن غزة لديها أحدث أنواع الأسلحة النووية الخطرة والغواصات السرية، وأقوى الأساطيل البحرية علاوة على الطائرات الحديثة، وبذلك كله فقد هددت غزة وزلزلت " الأمن المشترك" لدول الحلف، فحق له أن يدافع عن" الأمن المشترك" الذي عرضته غزة بقواتها الضاربة للخطر. ويأتي الدفاع عن ذلك الأمن المشترك بقيادة أمريكا التي يخضع لها الحلف سياسيا وعسكريا، والتي تدافع بلا هوادة عن إسرائيل التي غرزت في المنطقة العربية لتكون قاعدة عسكرية وذراعا ضاربة لأمريكا. وإذا كان حلف ناتو هو أمريكا، وأمريكا هي الحلف، فإن حرب الإبادة على غزة ليست أولى الحروب الأمريكية على شعوب العالم التي اتخذت أحيانا أشكالا سرية بتمويل النقابات والجماعات الثقافية المشبوهة، ومدبري الانقلابات، وقد فضح ذلك كله الكاتب الفرنسي جوردون توماس في كتابه" الكتاب الأسود لوكالة الاستخبارات الأمريكية" الصادر في باريس. أما حروب أمريكا العسكرية الصريحة فبداتها منذ عام 1916 حين شنت الحرب على الدومينكان لقمع الانتفاضة الشعبية واحتلال البلاد، وفي أغسطس 1945 ألقت قنابلها الذرية على اليابان، وفي 1949 أشعلت حربا أهلية في اليونان، وفي مارس 1949 دبرت انقلابا عسكريا في سوريا بقيادة حسني الزعيم، وفي يونيو 1950 تدخلت عسكريا ضد كوريا الشمالية، وفي مارس 1952 دعمت انقلاب الجنرال باتيستا في في كوبا، في 1953 نفذت انقلابا ضد حكومة مصدق الوطنية في إيران، وفي 1954 نظمت انقلابا عسكريا في جواتيمالا، وفي يونيو 1958 احتل الاسطول السادس لبنان، في 1961 حاولت غزو كوبا، وقامت عام 1964 بأعمال مسلحة ضد لاوس، وفي 1964 بدأت حربها الاجرامية على فيتنام. وفي 1968 دبرت انقلابا بواسطة سوهارتو في أندونيسيا ضد سوكارنو، في 1973 نظمت انقلابا في تشيلي ضد سلفادور اللندي، وفي عام 1986 قامت بالعدوان علي ليبيا، وخلال ذلك مزقت سوريا والعراق والسودان واليمن ولبنان بمختلف اشكال التدخل السري والعلني. وهذه ليست قائمة كاملة بحروب أمريكا، أو حروب ناتو اذ لا يتسع لها مقال واحد. لقد احتفلت القمة بالعام الخامس والسبعين على انشاء الحلف، ومع ذلك فإن البشرية لا تتخلى عن ثقتها وأملها في عالم آخر، بلا حروب عدوانية، ولا أكاذيب، ولا شعارات زائفة عن الديمقراطية والحرية التي تدوسها دبابات الحلف كل لحظة في كل مكان.