المستشار الفني لفيلهارموني باريس: ”أم كلثوم” صوت احتفظ بالإرث الثقافي للأغنية المصرية
"هذه ليلتي وحلم حياتي ".. هكذا غنت كوكب الشرق "أم كلثوم" واحدة من روائعها الغنائية، وبهذه الأعمال تستعد العاصمة الفرنسية باريس اعتبارا من بعد غد الخميس، إحياء ليلة من ليالي سيدة الغناء العربي بمناسبة الذكرى الـ50 على رحيلها، وتُقام عدد من الحفلات على مسرح "فيلهارموني باريس"، تأكيدا على قوة وعظمة الإرث الفني الذي قدمته "أم كلثوم" في حياتها وظل خالدا بعد رحيلها.
وأعرب المستشار الفني لمركز "فيلهارموني باريس" آلان ويبر، والذي أعد برنامجا حافلا لتكريم أم كلثوم، عن سعادته لإقامة هذه الاحتفالية، وقال في حوار أجراه مع مراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط بباريس، إنها فرصة عظيمة لإقامة حدث كهذا، تكريما لسيدة الغناء العربي، الصوت الوحيد الذي كان يحتفظ بالإرث الثقافي للأغنية المصرية والعربية.
وأوضح “ويبر” أن فكرة إعداد برنامج حافل لهذه المناسبة قد راودته قبل عامين، عندما اكتشف أن في فبراير 2025 وتحديدا في الثالث من فبراير، يكون قد مر 50 عاما على رحيلها، لذا كان ينبغي أن تُقام فعاليات لهذه المناسبة.
وتابع: هذه فرصة جيدة لإحياء الروائع الفنية التي قدمتها أم كلثوم، إذ إنها ما زالت محفورة في الوجدان، مردفا:"أم كلثوم معروفة خارج مصر، بين الجمهور العربي وكذلك هنا الجميع يعرف اسم "أم كلثوم"، لكن لا يعرفون بالضرورة أغانيها جيدا، لذا هذا الحدث فرصة لتعريف الجمهور بأغانيها الرائعة ولكن في قالب يمزج بين الأصالة والحداثة، من خلال ثلاث حفلات رئيسية، كل حفلة تتناول أعمال أم كلثوم الخالدة من زاوية فريدة من نوعها".
واستطرد: هذا حدث مهم تكريما لسيدة عظيمة نالت إعجاب واحترام الجميع ويظل بريقها يلمع إلى يومنا هذا حتى بعد 50 عاما على رحيلها، فمن الناحية الموسيقية، "هي الصوت الوحيد الذي كان يحتفظ بالإرث الثقافي للأغنية المصرية العربية"، موضحا أنه "في عهدها كان هناك الكثير من المغنيين يتمتعون بصوت جيد للغاية، لكن الأمر كان مختلفًا مع أم كلثوم، لأنها الصوت الوحيد الذي كان لديه هذا الطرب الذي لم يكن في رأيي يمتلكه مطربون آخرون، وكانت لديها قوة في صوتها تؤجج المشاعر.. أعتقد أنها الوحيدة التي كانت لديها هذه القدرة على امتلاك هذا الصوت القوي، حتى أي فرنسي لا يفهم معنى الكلمات، لكن عندما يستمع إلى أغانيها، يأسره صوتها".
وأشار إلى أن أم كلثوم كانت تناضل دائما من أجل القيم المصرية الأصيلة، ففي عصرها كان هناك توجه في مصر نحو النهضة وإحياء الثقافة العربية بعد الدولة العثمانية، وأيضا كانت هناك الحداثة وانجذاب نحو الغرب، لكن هي كانت "المرجع لثراء الثقافة المصرية"، فضلا عن دورها في نشر الثقافة المصرية في العالم العربي، وأصبحت في نفس الوقت رمزا للأغنية العربية لكل الدول العربية الأخرى.
وبمناسبة الاحتفاء بالذكرى الـ50 لرحيل كوكب الشرق، أعد المستشار الفني آلان ويبر برنامجا حافلا، على مسرح "فيلهارموني" شمال شرقي باريس، ينطلق بعد غد بعرض مميز يقدمه المؤلف الموسيقي ريس بيك وفرقة "غرام وانتقام"، بعنوان "أجمل ليالي"، حيث يعيد إحياء أشهر أغاني "أم كلثوم" مصحوبة بمقاطع مرئية من أفلامها وحفلاتها، من خلال تحديث التوزيع الموسيقي برؤية معاصرة تجمع بين العود والموسيقى الإلكترونية.
والحفل الثاني تحييه فرقة "موسيقيو النيل" في الأول من فبراير،ومن خلال العزف على الربابة والمزمار والطبلة، يقدم "موسيقيو النيل" روائع من التراث الموسيقي، مع خلق أجواء أمسية احتفالية تعيشها إحدى القرى المصرية لتنقل الجمهور في رحلة عبر الزمن وتذكرنا بمسقط رأس سيدة الغناء العربي أم كلثوم قرية "طماي الزهايرة" بمحافظة الدقهلية.
ثم تُقام الاحتفالية الكبرى في الثاني من فبراير على مسرح "فيلهارموني باريس"، بالتعاون مع دار الأوبرا المصرية، حيث يُحيي الحفل أوركسترا الموسيقى العربية بقيادة المايسترو الدكتور علاء عبد السلام، وتشدو خلاله مطربتا الأوبرا رحاب عمر وإيمان عبد الغني، بباقة مختارة من الأعمال الخالدة لسيدة الغناء العربي.
وذكر “ويبر” أن هذا ليس أول تعاون مع دار الأوبرا المصرية إلا أنه يعد الأول على مسرح فيلهارموني، ويُكرس خصيصا لسيدة الغناء العربي. وقال "هناك تعاون ملحوظ في الآونة الأخيرة.. ففي الماضي لم يكن هناك الكثير من الموسيقيين المصريين يأتون إلى فرنسا.. إلا أن التعاون المصري الفرنسي يشهد الآن ازدهارا مقارنة بالفترة الماضية".
وفي ختام حديثه، شدد على أنه من خلال هذا البرنامج الحافل، يحرص دائما على العمل من أجل الموسيقى التراثية والشعبية، وأن هدفه "إعادة إظهار الثقافة العربية الحقيقية سواء كانت حديثة أو تراثية".
تكتسب إقامة هذه الاحتفالية في فرنسا تحديدا أهمية خاصة، إذ تذكر بالحفل الأسطوري لأم كلثوم على مسرح الأوليمبيا في باريس، في نوفمبر 1967، كحدث لم يتكرر كشف عن مدى شعبيتها الجماهيرية الكبيرة خارج مصر والوطن العربي، كونه الحفل الوحيد الذي قدمته أم كلثوم في أوروبا وتبرعت بأجره لدعم المجهود الحربي في مصر آنذاك.
واليوم، تُقام هذه الحفلات تكريما ل"نجمة لا تُنسى من نجوم الموسيقى العربية" كما وصفها مركز "فيلهارموني باريس" على موقعه الالكتروني، مؤكدا أن "أم كلثوم" قادت مسيرة فنية مبهرة امتدت لأكثر من نصف قرن وحتى بعد خمسين عاما على رحيلها، لا تزال تتألق بنفس تألقها وإبداعها حتى يومنا هذا.