مصراوي 24
معهد التخطيط القومي والمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز الشراكة في مجالات البحث العلمي قيادات حزبية: تقرير واشنطن بوست بشأن الخطة العربية لغزة انتصار لرؤية مصر الثاقبة لتحقيق استقرار المنطقة ناهد السباعي تؤدي مناسك العمرة لوالدتها ووالدها أحدث ظهور لأصالة بإطلالة مميزة على انستجرام التعليم العالي: إطلاق سلسلة إنفوجرافات ”صوموا تصحوا” من معهد تيودور بلهارس شاهد.. راندا البحيري تنشر صورا من لوكيشن مسلسل شمال إجباري رئيس الوزراء يستهل جولته بالعاشر من رمضان بتفقد مصنع قنديل للصلب دعاء الصباح خبراء كنديون : خطة إعادة إعمار غزة رؤية عربية تكتسب زخماً عالمياً مصدر أمنى: مقطع الفيديو الذى تم نشره متضمناً طلب إحدى المحاكم بالإسماعيلية بضبط 3 من رجال الشرطة قديم وسبق نشره إتخاذ الإجراءات القانونية حيال عدد من الشركات السياحية ”بدون ترخيص” وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم
مصراوي 24 رئيس مجلس الإدارةأحمد ذكي
السبت 15 مارس 2025 12:24 مـ 16 رمضان 1446 هـ

ذلك الصباح.. قصة قصيرة.. للدكتور أحمد الخميسي

استيقظ وظل منكمشا تحت البطانية وعلى رأسه الطاقية التي لا تفارقه صيفا وشتاء. لعق شفتيه ببطء وهو يحملق في السقف. تطايرت في ذاكرته من دون رابط كلمات ونظرات وأصوات تعلو وتهبط وامض في سماء أزمنة سحيقة. استكان للصور تترى وترف لا يأخذه منها صوت ولا حركة في بيته بإحدى مناطق الجيزة الهادئة، لولا أن تاريخ اليوم وثب أمام عينيه وفصمه عما كان يتبدى له، فتمتم لنفسه :" اليوم 10 فبراير". وضغط بأصبعين على حاجبه:" أمامي عشرون يوما حتى أول الشهر ساعة قبض معاشي، لكن مازال لدي ثلاث ربطات في درج التسريحة كل ربطة بألف جنيه. وإذن لا ينبغي أن تزيد مصاريفي في اليوم عن؟ حوالي مئة وثلاثين جنيها". تنفس الصعداء : " الحمد لله أحسن من غيرنا". خلع الطاقية لينهض وفوجئ بجرس المحمول يدق. التفت مبهوتا إلى المنضدة الملاصقة للسرير. حدق بالهاتف لحظة، ثم التقط الهاتف وصاح بصوت لم ينسلخ بعد عن وخم النوم:

-آ لـو؟ أيوه ؟ آ لـو؟ طرق سمعه صوت حاد مثل قرقعة المواعين:

- صباح الخير يا أ فندم. معكم خالد الدسوقي. أتصل بسيادتكم بخصوص شقق وفيلات في التجمع. -التجمع ؟َ! أتقصد التجمع الخامس؟

- بالضبط يا أ فندم. سيادتك تبحث عن شقق أم فيلات؟

ارتبك مترددا ثم قال:

-فيلات؟ لاء.. شقق. أيوه. شقق.

بعث الصوت الشاب الانتعاش في نفسه فدفع البطانية واستقام واقفا والمحمول على أذنه. اتجه إلى الصالة وفي طريقه إليها لمح باب الحمام مواربا فتجلت له صورة غياراته الداخلية المركونة في حوض الغسالة منذ أسبوع من غير أن ينتشلها لينشرها فتجف في الهواء. استراح على الأريكة في الصالة أمام التلفزيون، وبحكم العادة عبثت أصابعه بسطح المنضدة حيث المكان المعتاد لريموت التلفزيون، تذكر أنه فقده من زمن، لا يدري أين أخفاه.

من جديد جاءه الصوت متوددا:

-يلزم سيادتك شقة استلام قريب أم بعيد ؟

- قريب بأي معنى؟

- يعني أن تتسلم الشقة بعد سنة أو سنتين سنوات مثلا.

فكر قليلا ثم قال:

-استلام قريب. أفضل. خلال سنة مثلا.

-تمام يا أ فندم

-وأنت اسمك إيه يا إبني؟

-خالد. خالد يا أ فندم. خالد الدسوقي.

-أنت خلصت تعليمك؟

-أيوه يا أ فندم. كلية التجارة. بالنسبة للاستلام القريب فذلك كما تعلم سيادتك يستلزم أن تدفع مقدما ما بين خمسة وعشرين إلى أربعين بالمئة من اجمالي ثمن الشقة.

-خلصت أي كلية؟

- تجارة يا أ فندم. يعني تدفع مقدما حوالي حوالي مليون ونصف المليون من ثمن الشقة.

قال وهو مذهول من السعر:

-أنا إبني أيضا أنهى كلية التجارة. وأردف: كم؟ كم قلت؟

-مليون ونصف يا أ فندم. ممكن؟ هل هذا مناسب لك؟

سرح قليلا ثم قال:

-بس ابني سافر إلى استراليا من زمان، يعيش ويعمل هناك.

تمهل لحظة ثم زام متمتما: وأحفادي معه هناك.

-الشقة يا أ فندم ثلاث غرف أو غرفتين والمساحة مئة وأربعون مترا.

-مئة وأربعون مترا؟

- نعم يا أ فندم.

-لكن أنت لا تفكر في السفر والعمل في الخارج؟

-لا يا أ فندم. بالمناسبة يا أفندم موقع الشقة ممتاز. تطل على لاند سكيب. - لاند سكيب هذه حديقة ؟

- بالضبط يا أ فندم. وحسب المربع السكني إما أن تطل على الحديقة أو على بحيرة.

- يا سلام؟ بحيرة؟ !ابني ساعات يرسل لي صورا من استراليا مع أحفادي، ولد وبنت، يلعبون قرب بحيرة، لكني لم أرهم بعد.

-نعم يا أ فندم، وبالمناسبة عدد الوحدات المطروحة قليل. وهناك إقبال كبير على الشقق.وبعد استلام الشقة ستدفع بين ثلاثمئة ألف إلى أربعمئة ألف كل ثلاثة شهور.

-قال متعجبا: يعني حوالي مئة ألف شهريا؟

- بالضبط يا أ فندم.

- وأنت عندك كم سنة يا خالد؟

- 25 سنة يا أفندم.

-أصغر من ابني بخمس سنوات.

-أكلم سيادتك بكرة تكون فكرت الموضوع يا أفندم؟

-كلمني بكرة. ضروري، سأنتظر مكالمتك يا هشام.

-خالد يا أ فندم. خالد الدسوقي. أتشرف باسم سيادتك؟

-مصطفى( وتلعثم قبل أن يخترع لنفسه اسم عائلة) مصطفى عبد السلام. ستتصل بي في أي ساعة؟

-في مثل هذا الوقت إن شاء الله.

-سأنتظرك ضروري.

حفظ رقم الشاب على المحمول ثم وضعه على المنضدة، ولبث سارحا في مكانه عدة دقائق. قام متجها إلى المطبخ ليعد فنجان قهوة، أحس بدوار ترنح منه. استند بكفه إلى الجدار لحظات ثم واصل سيره. أعد القهوة وخرج بها إلى الشرفة. اتكأ بمرفقيه على السور، وواجهته قمم الأشجار المقيدة إلى الارض، تجتر عزلتها بصبر وتميل بفروعها نحوه. داهمه انتباه الى أنه لم يسمع قبل مكالمة الفيلا والشقق صوتا بشريا على مدى يومين طويلين. ما اسمه ؟ خالد أو هشام ؟ استقام في وقفته ينفض عن نفسه غمغمة الشجر المبهمة التي راحت تنداح بطيئة ثقيلة وتشب إلى كتفيه ورأسه.