مصراوي 24
مصراوي 24

المستشفى المعمداني.. الشاهد الأقدم على بشاعة الاحتلال

-

صواريخ إسرائيلية تنهمر، تدمير شامل، إخلاء، سقوط شهداء أو مصابين، عائلات نازحة تغادر، وأشخاص يجرّون ذويهم المرضى على أسرّة طبية.. مشاهد متكررة شهدها المستشفى المعمداني، أشهر وأقدم مستشفيات قطاع غزة وأكثرها تعرّضًا لهجمات الاحتلال الإسرائيلي، والتي كان أشهرها بعد أيام من اندلاع عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023.

آخرها حلقات مسلسل الجرائم الإسرائيلية ضد المستشفى المعمداني، كانت صباح اليوم الأحد، إذ قال أحد الأشخاص إنه تلقى اتصالًا من شخص قال إنه من الأمن الإسرائيلي قبل وقت قصير من وقوع الهجوم، للإخلاء، وأعقبه قصف بصاروخين دمرا قسم الطوارئ والاستقبال وألحقا أضرارًا بمبانٍ أخرى.

وعلى مدى عامٍ ونصف العام، يبقى المستشفى المعمداني اسمًا ثابتًا ضمن 35 مستشفى دمّرها الاحتلال عمدًا وأخرجها عن الخدمة في إطار خطة ممنهجة للقضاء على ما تبقى من القطاع الصحي في قطاع غزة، بجانب العشرات من المراكز الطبية والمؤسسات الصحية، التي دمرها الاحتلال في انتهاك فاضح لكل المواثيق الدولية واتفاقيات جنيف التي تحظر استهداف المنشآت الطبية.

الأقدم في غزة

يُعَدّ مستشفى المعمداني واحدًا من أقدم مستشفيات قطاع غزة، وقد أُنشئ قبل أكثر من 140 عامًا، وعُرف وقتها بـ"المشفى الأهلي العربي"، وكان أقدم مستشفى في فلسطين المحتلة تقريبًا. ويقع في منطقة سكنية في حي الزيتون بقطاع غزة، وتحيط به كنيسة القديس برفيريوس، ومسجد الشمعة، ومقبرة الشيخ شعبان.

تم تأسيس المستشفى في عام 1882، على يد البعثة التبشيرية التي كانت تابعة لإنجلترا، وتُعدّ الكنيسة المعمدانية واحدة من ثلاث كنائس للمسيحيين في غزة، وهي كنيسة القديس برفيريوس، والكنيسة اللاتينية.

وأثناء الحرب العالمية الأولى، تعرّض المستشفى المعمداني للتدمير، لكن أُعيد بناؤه ثانية في عام 1919، وأُطلق عليه اسم "المستشفى الأهلي العربي". وعند انتهاء حقبة الانتداب البريطاني على فلسطين – حيث كانت غزة تابعة لمصر – قررت البعثة التبشيرية الإنجيلية التابعة لإنجلترا إقفال أبواب المستشفى، لكن البعثة المعمدانية تكفّلت به وبإدارته.

وفي أواخر الأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، نشب خلاف حول ملكية المستشفى عقب إلغاء الإدارة المصرية قانون الوقف الأهلي في غزة، مما عرض ممتلكاته وأراضيه لخلاف على الملكية.

المشرفون على المستشفى استمروا في تقديم الخدمات للمرضى، رغم الاحتلال الإسرائيلي للقطاع عام 1967، كما بنوا طابقًا ثانيًا ليضم مكتبًا ومختبرًا وثلاث غرف خُصّصت لأغراض علاجية متنوعة.

المستشفى تعرّض لانتكاسة جديدة في عام 1976، عندما قطعت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) المساعدات عنه وأوقفت دعمها لمدرسة التمريض التابعة له، فتراجعت خدماته وتقلص عدد موظفيه، حيث انخفض عدد الأطباء فيه إلى ثلاثة فقط، ومعهم 28 ممرضًا، الأمر الذي أدى إلى تراجع عدد المرضى فيه.

وفي نهاية السبعينيات، عادت ملكيته لأبرشية القدس الأسقفية، وواصل تقديم خدماته بعد تلقيه التمويل من الجمعية المتحدة الفلسطينية في الولايات المتحدة، وتم بناء أقسام أخرى، إضافة إلى توفير معدات طبية متطورة له، ليتحوّل إلى مؤسسة صحية تضم أقسامًا مختلفة.

وأُضيف إليه قسم الطوارئ والعمليات الجراحية – مثل جراحة العظام – إلى جانب أقسام أخرى مثل قسم الولادة، والعلاج الطبيعي، والحروق، وقسم الأشعة، والعيادات الخارجية، والمختبر الخاص به.

وطوال تاريخه، قدّم المشفى العديد من الخدمات الطبية لكافة مواطني وأهالي قطاع غزة، والوافدين من باقي المدن الفلسطينية، كما اعتمد عليه أهالي القطاع، أثناء القصف الإسرائيلي على منازلهم ومحاولة إجبارهم على التهجير، فاستقرّ معظمهم في ساحة المستشفى القديم، كونه مصدر أمان لهم.

وعلى الرغم من نقص المؤن الطبية، فإن المستشفى ظل يعمل بكل طاقته، لكن الاحتلال الإسرائيلي لم يتركه أو أطبّاءه أو مصابيه.

مجزرة أكتوبر

يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 2023، شهد المستشفى المعمداني مجزرة شنيعة قام بها الاحتلال الإسرائيلي، حيث استُشهد ما يقرب من 500 فلسطيني بعد قصف استهدف المستشفى عمدًا، ضمن سلسلة غارات على مناطق مختلفة من القطاع، أدّت إلى مقتل العشرات من الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء.

وقتها، نفى الجيش الإسرائيلي مسؤوليته الحادث، وزعم أنه ناجم عن "عملية إطلاق فاشلة لصاروخ من جانب حركة الجهاد الإسلامي"، بينما نفت الحركة بدورها هذه الاتهامات، مؤكدة أنها "أكاذيب" و"اتهامات باطلة"، وأن المستشفى تم قصفه من طائرة حربية إسرائيلية.

كما أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحداد لمدة 3 أيام، ووصف عباس الأمر في كلمة أعقبت القصف الإسرائيلي بـ "مذبحة حرب بشعة لا يمكن السكوت عنها"، مشيرًا إلى أن إسرائيل "تجاوزت كل الخطوط الحمراء"، وحمّلت السلطة الفلسطينية إسرائيل المسؤولية الكاملة في وقوع الهجوم.