كرم جبر يكتب .. تحرير العقول
مازال البعض مصراً على أن الجن هو من يقوم بحرق بعض المنازل فى القرى على طريقة أفلام حرب النجوم الأمريكية، حيث تهبط كائنات غريبة من الفضاء، لتأديب أهل الأرض، ولم يصدقوا تفسير العالم الجليل الدكتور أحمد كريمة، بأن السبب هو روث البهائم الذى يخزنه الأهالى فى بيوتهم، لاستخدامه كوقود فى الشتاء.
عمليات السطو على العقول، وتقديمها «تسليم مفتاح»، للخرافات والشعوذة والدجل والنصب والاحتيال مستمرة، فينتشر المشعوذون الذين يقومون بذبح جوزين حمام زغاليل، فوق بطن المريض لشفائه من الأمراض المستعصية، ويسلم الأهالى بنتهم المريضة نفسياً لدجال يقوم بضربها حتى الموت، فتخرج روحها من جسدها ولا تخرج العفاريت.
ويهلل المخدوعون والبسطاء للدجالين الذين يقومون بالقبض على الجن مكبلين بالسلاسل، دون أن يرى الأهالى عفريتاً بعيونهم، فكل شىء يجرى بالإيحاء والتنويم العقلى، والجهل المستوطن فى العقول والأفكار، جهل إذا لم يبحث عن الناس بحثوا عنه.
من يؤمن بذلك من السهل إقناعه بلف حزام ديناميت حول خصره، وتفجير نفسه فى كمين شرطة فيه عساكر غلابة من أبناء قرى الجن، وهيا أيها الاستشهادى فجر نفسك، فأنت أمام أبواب الجنة وعلى موعد مع الحور العين، المنتظرات على أحر من الجمر.
هل نحن أمام حالة مستعصية من غيبوبة العقول، أم توظيف الدين فى تخدير الوعى والتفكير؟.. لذلك تأتى أهمية المؤتمر الذى يعقد بالأزهر الآن لتجديد الخطاب الديني، ومخاطبة علماء الإسلام بضرورة «إنارة العقول»، فلن تنهض مصر ولن يعلو شأنها، إلا إذا تسلح شعبها بالوعى والضمير، وتحررت العقول من الخرافات والأباطيل، وساد خطاب دينى يحترم الفكر المستنير المستمد من صحيح الإسلام.
هذا يقتضى رفض محاولات تغييب الوعى، وتنقيح العقول من تيارات الجهل، وتنقيتها من الغيبيات والتركيز على الجانب الأخلاقى، والوصول بالخطاب الدينى الإسلامى للمستوى الذى يتواكب مع مقتضيات العصر، وإشاعة أجواء السماحة والتعايش السلمى الآمن الذى تدعو إليه كل الأديان.
معركة مصر الحقيقية هى ضد الجهل والخرافات، ونحتاج دعاة يحاربون الجن ولا يحضرونه، فى حجم محمد عبده، صاحب مقولة: «من رُبّى على التسليم بغير عقل فهو غير مؤمن، فليس القصد من الإيمان أن يذلل الإنسان للخير كما يذلل الحيوان، بل أن يرتقى عقله وترتقى نفسه بالعلم»، وفى جرأة شيوخ التنوير الذين لم يبالوا بثورة المتشددين ضد أفكارهم المستنيرة، واستمرارهم فى دعوتهم للتجديد والتحدى، وفى شجاعة الشيخ على عبد الرازق الذى فجر ثورة فى الأفكار المتوارثة، وظل يدافع عنها ويؤجج سبلها العقلية، حتى صار نموذجاً يحتذى به، ومثقفاً ثورياً ينهض بمجتمعه من الظلامية إلى التنوير.. نقلا عن بوابة اخبار اليوم