سيد محمود سلام يكتب: ما بين رقي سلامة والتهامي .. وتريند ”المهرجانات”
لم يكن أحد يتخيل يومًا ما أن يجتمع ملحن ك بليغ حمدي ، مع منشد مثل سيد النقشبندي ؛ ليقدما ابتهالًا هو الأشهر والأكثر انتشارًا في العالم العربي والإسلامي، وهو "مولاي إني ببابك" لولا مبادرة
الرئيس السادات ؛ حيث كان كلاهما بليغ و النقشبندي قد جمعهما زفاف ابنة الرئيس السادات ، فأوعز بجمعهما معًا في عمل فني..
أستدعي هذا الموقف من كلام المرحوم الإذاعي الكبير وجدي الحكيم، ليذكرني بحالة مدهشة تجمع حاليًا الموسيقار الكبير فتحي سلامة، بالمنشد الشاب محمود التهامي نجل الشيخ ياسين التهامي؛ حيث يقدمان معًا سلسلة من الحفلات، يقدمان فيها ابتهالات بألحان رائعة، كان منها ابتهال "أنا مغرم بهواه" و"للعشق إنشادي"، والكثير من الأعمال التي قدماها معًا منذ أن التقيا، ونجحا معًا في تغيير الطريقة التقليدية للابتهالات، وأصبح لهما جمهور جديد محب للإنشاد الصوفي، وتلقى الحفلات التي تقام - سواء بمحكى القلعة، أو الأوبرا، أو ساقية الصاوي، أو غيرها من الأماكن - إقبالًا كبيرًا.
وبعيدًا عن المقارنات، وهي غير واردة، بين ما كان يقدمه النقشبندي ، والتهامي؛ لأن هناك فروقًا كبيرة في الطريقة والأداء، وحتى العصر، ما يقدمه محمود التهامي بطريقته المعاصرة وخروجه من جلباب أبيه؛ حيث سعى لتقديم نفسه في شكل جديد، ولم يكتف بالذكر والحضرة، وما يقدم في الموالد، برغم إن حفلات الموالد تلقى قبولًا أكبر، وهي مريحة أكثر من تلك التي تقدم في الأوبرا مثلًا، فأجر المنشد في الموالد يتجاوز الخمسين ألف جنيه، لا يتقاضاها في حفل مع فرقة، لكنه بذكاء شديد أدرك أن هناك جيلًا جديدًا قد لا يكون من جمهور حلقات الذكر، جمهور ثقافته تختلف عن الآخر، ومن ثم وجد مع عملاق مثل فتحي سلامة ضالته، فسلامة موسيقار عالمي له اسمه كنجم في سماء الموسيقى كأول عربي يحصل على جائزة الجرامي الموسيقية العالمية عام 2004، وهو حاصل على عدة جوائز أخرى منها جائزة البي بي سي عام 2004 ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2000، مؤسس فرقة شرقيات عام 1988 التي قدمت أكثر من 2000 حفل موسيقي على مدى الأعوام السابقة وحتى الآن على أعرق مسارح العالم، وفي أكبر مهرجانات الجاز والوورلد ميوزيك.
ولفتحي سلامة تسعة ألبومات تعاون فيها مع أعلام الموسيقى والغناء في العالم مثل يوسو ندور وسيزاريا إيفورا وغيرهم ومنهم ألبومان لمؤلفاته من مشروع شرقيات.. فأن يطوع سلامة خبرته وتجربته مع صوت قادم من صعيد مصر وهى محافظة أسيوط، ومعروف بين جمهور كبير في محافظات مصر، ويقدما معا فنا صوفيا بمذاق مختلف، ويصنعا حالة روحانية، يقبل عليها الجيل الجديد، يمكن هنا أن نطالب الإعلام بالتركيز على من يقدمون فنًا باعثًا على السمو بالأخلاق، لا ما يقدم تحت مسميات مثيرة للاشمئزاز، وكل هدفها إثارة الجدل، والوصول إلى ما يعرف ب التريند ، وتحقيق أموال طائلة من نسب الاستماع والمشاهدة على المنصات الإليكترونية.. لدينا فتحي سلامة ومحمود التهامي، حالة فنية راقية، حالة ترق لها النفس لما فيها من ألحان عذبة، وكلمات من تراثنا الروحي الجميل.
ونحن نقترب من شهر رمضان الكريم، لماذا لا تستغل القنوات الفضائية هذه التجربة؛ لتكون مثالًا على كيفية إعادة التواشيح والابتهالات التي أبدعها عظماء أمثال النقشبندي ، والطوخي، والشيخ طه الفشني، وكثيرون، ممن قدموا للمستمع العربي روائع مكدسة في مكتبات الإذاعة، ولا تجد طريقها للمستمع؛ بل كما حدث وأن نجحت فكرة إطلاق قناة "مصر قرآن كريم" أتمنى أن تكون هناك موجة ثانية وإذاعة ثانية للابتهالات، والتواشيح، والصييتة من كبار المنشدين، فكل قراء القرآن ومجوديه لهم ابتهالات، وفي مقدمتهم محمد صديق المنشاوي، وعبد الباسط عبد الصمد،ولدينا مواهب كثيرة في هذا المجال،تحتاج إلى نوافذ تطل منها إلى المستمع، لنحد من تريندات المهرجانات .
نقلا عن الاهران