كرم جبر يكتب: الخيانة تجرى فى عروقهم
ففى صباح يوم حزين من شهر مارس 1948، كان القاضى الجليل أحمد الخازندار رئيس دائرة الجنايات بمحكمة مصر، يخرج من منزله بحلوان فى ساعة مبكرة متجهاً إلى محطة المترو، وفجأة انطلقت ثلاث رصاصات غادرة فى قلبه وصدره.
نفذ الإخوان فيه الإعدام، لأنه أصدر حكماً على بعض أعضاء الجماعة، بأدلة اتهام ثابتة واستخدم الرأفة، والإرهابيان شابان أحدهما فى العشرين من عمره والثانى فى الثانية والعشرين.
إرهابيون صغار يسفكون الدماء بفتاوى من شيوخ عواجيز يقتربون من القبور، وتشتعل فى أعماقهم غريزة الانتقام، من البلد والناس ومن يختلف معهم فى الرأى أو العقيدة.
وكأن التاريخ يعيد نفسه، حيث وقف النائب العام من أكثر من 72 سنة، يقول أمام المحكمة «لم أعرف حادثاً غلت له الصدور غلياناً مثل هذا الحادث، ولم أشهد عملاً حارت الأمة فى تفسيره مثل هذا الحادث الشائن البشع».
وأصدر شيوخ التهلكة حكماً على رئيس وزراء مصر محمود فهمى النقراشي، وتم تنفيذه فى الساعة العاشرة من صباح يوم الثلاثاء 28 ديسمبر 1948، أثناء صعوده درجات السلم فى مجلس الوزراء.
القاتل كان يرتدى بدلة ضابط برتبة ملازم أول، والنقراشى هو الذى أصدر قراراً بحل جماعة الإخوان وشعبها والأماكن المخصصة لها، لتزايد نشاطها الإرهابي، بعد أن تلقى تقارير ترصد جرائمهم من القتل والنسف والتدمير وإشاعة الفوضى.
والخيانة هى الشيء المميز فى علاقة الإخوان بكل أنظمة الحكم فى مصر.
جمال عبد الناصر نفذ سياسة «من أعمالكم سلط عليكم» واستخدم اليد الثقيلة ضد سيد قطب الذى خرج من السجن سنة 1965 بعد 15 عاماً، وخطط لقلب نظام الحكم، والقيام بسلسلة من الاغتيالات.
والإخوان عادتهم يقتلون وينكرون، ثم يعترفون بجرائمهم ويفتخرون بها بعد مرور سنوات طويلة، كما فعلوا فى حادث المنشية عندما حاولوا اغتيال عبد الناصر، وظلوا يتبرأون ويقسمون، وفجأة اعترفوا بما أسموه العمل البطولى بعد 25 يناير 2011، وأضفوا صفات البطولة والاستشهاد على مرتكبيه.
وكافأوا السادات الذى أخرجهم من السجون والمعتقلات بقتله، والدرس المستفاد هو «احترس من الذئاب»، فلم يفعل حاكم لهم مثلما فعل السادات، فدبروا له حادث المنصة.
وتكررت المآسى بعد 25 يناير، وخروج الإرهابيين من السجون، فصاروا زعماء وقادة سياسيين، يجلسون فى مقدمة الصفوف فى الاحتفالات الرسمية، ويحتشدون فى قصر الحكم، ولكن لأن الخيانة تجرى فى عروقهم، تآمروا على أنفسهم.
خططوا لالتهام مصر مرة واحدة، فوقفت كاللقمة فى حنجرتهم وأزهقت روحهم، ومن القصور التى لم يعتادوها إلى السجون المألوفة لهم.
ولاحظوا معى..
فى كل أزمة تمر بها البلاد هم كالشوكة فى ظهرها، وينضمون لصفوف أعدائها، ويخرجون من الشقوق والجحور للانتقام وتصفية الحسابات، وكأن بينهم وبين هذا الوطن «تار بايت».
والدرس المستفاد: لن يكونوا يوماً مع بلدهم بل عليه.
نقلا عن اخبار اليوم