حكومة عموم فلسطين تعلن رسميا استقلال «جمهورية فلسطين العربية» 1948
في ذكرى النكبة العربية الكبرى ( 15 مايو / آيار)، تستعيد ذاكرة فلسطين وقائع واحداث تسجل فصولا من تاريخ وجغرافية فلسطين ومن أبرزها إعلان حكومة عموم فلسطين «رسميا» استقلال «جمهورية فلسطين العربية» في العام 1948. والبداية عندما أعلنت بريطانيا عن نيتها التخلي عن انتدابها على فلسطين، وأحالت قضيتها إلى الأمم المتحدة..حينئذ أدركت القيادة الفلسطينية، ممثلة آنذاك بالهيئة العربية العليا لفلسطين بزعامة الحاج أمين الحسيني، أهمية التهيؤ لهذا الحدث واستباقه بإيجاد إطار دستوري يملا الفراغ الذي سوف ينجم عن انتهاء الانتداب البريطاني وكان هذا الإطار هو إقامة حكومة عربية فلسطينية.
وتم تشكيل أول حكومة فلسطينية ( حكومة عموم فلسطين). برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي «باشا» ـ سياسي واقتصادي فلسطيني ـ وضمت حكومة عموم فلسطين كلا من جمال الحسيني، ورجائي الحسيني، وعوني عبد الهادي*، وأكرم زعيتر، والدكتور حسين فخري الخالدي، وعلي حسنة، وميشال أبكاريوس، ويوسف صهيون، وأمين عقل.
أول إعلان رسمي: استقلال «جمهورية فلسطين» وعاصمتها القدس
وانعقد المجلس الوطني لعموم فلسطين في غزة في 30 سبتمبر/ أيلول 1948 برئاسة أمين الحسيني، وأقر المجلس سلسلة من القرارات بلغت ذروتها في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 1948 بإعلان استقلال كامل فلسطين، وعاصمتها القدس.. وأعلنت حكومة عموم فلسطين، الولاية القضائية على فلسطين بأكملها.. واعتمدت رسميا «علم» الثورة العربية، وكان يستخدمه القوميون العرب كـ «رمز» منذ عام 1917..وأعادت إحياء جيش الحرب المقدسة بهدف معلن هو تحرير فلسطين.
وقام الوزير جمال الحسيني بجولة عربية لتقديم إعلان الحكومة إلى كافة الدول العربية والإسلامية وجامعة الدول العربية ..وكان نص مذكرة الإعلان:
«أتشرف بإحاطة معاليكم علمـًا بأنه بالنظر لما لأهل فلسطين من حق طبيعي في تقرير مصيرهم واستنادًا إلى مقررات اللجنة السياسية ومباحثاتها ، تقرر إعلان فلسطين بأجمعها وحدودها المعروفة قبل انتهاء الانتداب البريطاني عليها دولة مستقلة وإقامة حكومة فيها تعرف بحكومة عموم فلسطين على أسس ديمقراطية، وإني أنتهز هذه المناسبة للإعراب لمعاليكم عن رغبة حكومتي الأكيدة في توطيد علاقات الصداقة والتعاون بين بلدينا»
رسم حدود فلسطين الدولية مع دول الجوار.. ودستور مؤقت للدولة المستقلة
وكأن الماضي، صورة للواقع العربي الراهن، وبالرغم من تفهم الحكومات العربية ضرورة قيام الحكومة الجديدة وموافقتها على ذلك، إلا أن دولة عربية اعترضت، وأخرى تحفظت !! وقد حاولت الجامعة العربية الوساطة، وقام رئيس الوزراء لبنان، رياض الصلح، بالسعي لرآب الصدع.. ولذلك قررت الهيئة العربية الفلسطينية العليا والحكومة الجديدة، الدعوة إلى مجلس وطني فلسطيني لتأكيد شرعية الحكومة وإظهار تأييد الشعب العربي الفلسطيني لها. وقد انعقد المؤتمر في ا أكتوبر/ تشرين الأول 1948 في غزة برئاسة الحاج محمد أمين الحسيني، وحضرته جمهرة كبيرة من الشخصيات الفلسطينية. وقد تم فيه الإعلان عن:
شرعية الحكومة الجديدة، كما تقرر إعلان استقلال فلسطين وإقامة دولة حرة ديمقراطية ذات سيادة، ورسم الإعلان حدود فلسطين، وهي الحدود الدولية مع سورية ولبنان شمالاً، ومع شرق الأردن شرقاً، والبحر المتوسط غرباً، ومع مصر جنوباً، وشجب المؤتمر محاولة اليهود إنشاء دولة في الأراضي المغتصبة، وأقر أيضاً دستوراً مؤقتاً لفلسطين، وعقد قرض لا يزيد عن خمسة ملايين جنيه.
إصدار أول جواز سفر فلسطيني
ومع تمثيل فلسطين في الجامعة العربية، نجحت الدول العربية الداعمة لحكومة «عموم فلسطين»، في تثبيت أحمد حلمي ممثلاً لفلسطين في الجامعة العربية بلقبه الذي عرف به حتى وفاته في 1963 (رئيس حكومة عموم فلسطين)، وخلال تلك السنوات (1963-1950) كافح أحمد حلمي باشا للحفاظ على وجود كيان فلسطيني بأي شكل وأي ثمن، في وقت انقسمت فلسطين بين دولة الاحتلال«إسرائيل» و «الضفة الغربية» للمملكة الأردنية الهاشمية. وعلى رغم اقتصار دعم الجامعة العربية له على مبلغ رمزي (نحو خمسة آلاف جنيه مصري سنوياً)، إلا أن أحمد حلمي عمد إلى تمويل «حكومة عموم فلسطين» بإصدار الجواز الفلسطيني الذي ساعد اللاجئين الفلسطينيين في أصعب الفترات، كما أنه ساعد اتحاد طلبة فلسطين في القاهرة، الذي ضم الجيل القيادي اللاحق للفلسطينيين برئاسة ياسر عرفات، وغيره من المنظمات والهيئات الفلسطينية.
ولكن الدول العربية اتفقت على منعه، وإصدار وثائق سفر للفلسطينيين خاصة بكل دول عربية على حده !
رئيس حكومة عموم فلسطين.. زعيم الاقتصاد الفلسطيني
كانت فلسطين آنذاك تواجه تحدياً اقتصادياً وسياسياً يفوق طاقة الفلسطينيين، وفي هذه السنوات المصيرية برز أحمد حلمي في المجال الاقتصادي ـ المصرفي أولاً ـ حيث بدأت الصحافة الفلسطينية تطلق عليه منذ العام 1931 «زعيم الاقتصاد في فلسطين» و«طلعت حرب فلسطين»، بعدما قام في 1930 بمشاركة عبد الحميد شومان في تأسيس «البنك العربي»، وتولي إدارته خلال الفترة 1930 ـ 1936، وهي الفترة التي ازدهر فيها البنك وأسّس فروعه في فلسطين والأردن، ثم تأسيس المصارف والشركات الأخرى («البنك الزراعي»، و «البنك الصناعي»، و «بنك الأمة العربية»، و«صندوق الأمة»..الخ)، التي هدفت إلى مساعدة الفلاحين الفلسطينيين وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أراضي فلسطين،أمام اندفاع الشركات اليهودية بمساعدة السماسرة، على شراء مزيد من الأراضي بأسعار لا تقاوم.
وإذا كان الوطن العربي بأسره قد خضع تحت سلطات الاحتلال والانتداب (البريطاني والفرنسي، والايطالي في ليبيا)، سنوات طويلة منذ منتصف القرن التاسع عشر، وحتى ما بعد منتصف القرن العشرين ـ تقريبا ـ إلا أن فلسطين قد تجاوزت المعاناة مع الانتداب والاستعمار إلى سنوات الاحتلال الراهنة ـ
حدود مفتوحة لدولة الاحتلال
ولم يسجل العام 1948 النكبة العربية ـ فقط ـ ولكنه تولى الإعلان عن أول سابقة في العالم، بمولد دولة بلا حدود أو ترسيم جغرافي لسلطاتها ونفوذها، وبعقيدة حدود للدولة : تتمدد باستمرار مع مدى ما تصل إليه قوة جيشها !! ويقول المفكر الفرنسي «رجاء جارودي» في كتابه «فلسطين أرض الرسالات السماوية»، إن السمتين الرئيسيتين للسياسة الإسرائيلية هما: العنصرية والتوسع.. وأن المبدأ الأساسي الذي يربط إحداهما بالآخر، قد صاغه بكل وضوح « تيودور هيرتزل» في جريدته، وهو يروي محادثاته مع الأمير «هو هنلوه» مستشار الإمبراطورية الألمانية، وكتب هيرتزل يوم 8 أكتوبر/ تشرين أول 1898 يقول: «سألني الأمير عن الأراضي التي ننوي الحصول عليها، هل ستكون إلى الشمال حتى بيروت، أم أبعد من ذلك؟ قلت له: سوف نطلب ما نحتاج إليه، وكلما زاد المهاجرون يجب أن تزيد الأرض» !!
إدارة الحركة اليهودية باتجاه فلسطين
وترتبط إدارة الحركة اليهودية بإتجاه فلسطين، بعقد اجتماع المحفل اليهودي الأكبر (سنهدرين) في باريس، عام 1807 والذي رأسه الإمبراطور نابليون بونابرت بعد عودته من حملة مصر وإعلان نفسه إمبراطورا لفرنسا، وطرح في المحفل مشروع لدولة يهودية في قلب الضلع الذي يضم مصر وسوريا !! ثم تحرك زمن القصة مع تحرك ثيودور هيرتزل، وعقد مؤتمر صهيوني في مدينة بازل السويسرية بمشاركة كل القوى المطالبة والمؤيدة لاستيطان اليهود في فلسطين.. وهكذا بدأت إدارة الحركة اليهودية باتجاه فلسطين، وبكل وسائل وفنون التآمر، ومناورات الخديعة.
المؤامرة الدولية في مطلع القرن العشرين
احتل الحلفاء مدينة القدس في 9 ديسمبر/ كانون الأول 1917، وأنشأت بريطانيا حكومة عسكرية في فلسطين، قبل أن تكمل احتلالها لشمال فلسطين، في سبتمبر/ أيلول 1918، ولاقى هذا الاحتلال تشريعا دوليا بعد ثلاث سنوات عبر نظام «الانتداب» الذي دام حتى عام 1948 عندما أعلنت بريطانيا عن نيتها التخلي عن انتدابها على فلسطين، وأحالت قضيتها إلى الأمم المتحدة
كانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، وتكثيف الاستيطان في القدس بالذات، واحدة من أهم ركائز الدعوة لتحقيق هذا الهدف ( ولم تكن هناك قاعدة يهودية كافية تستطيع أن تتحمل عبء هجرة يهودية مؤثرة). ويكفي أن نذكر أن عدد اليهود في فلسطين عام 1488 لم يتجاوز سبعين أسرة يهودية ، وفي عام 1521 أصبح عددها ألف وخمسمائة أسرة ، وفي عام 1841 بلغ عدد اليهود في فلسطين 3200 نسمة ، ورغم ذلك كان الحلم الأكبر لايزال فاعلا داخل وجدان حاخام القدس ، وهو يرسل بإسم العشرات فقط من سكان القدس « حجاب » واق من الشر إلى الملكة « فيكتوريا» 1849 في أعقاب مؤتمر يهودي صغير عقد في لندن برعاية أسرة « روتشيلد » يطلب من الحكومة الإنجليزية أن تسهل لليهود استعمار فلسطين على نمط ما يحدث في مناطق أخرى من حركة الاستيطان الأوروبي في أفريقيا وأستراليا وكندا !