جلال عارف يكتب: رحيل الملكة.. و «استثمار» التاريخ
بمشاعر يغلب عليها التقدير والاحترام تودع بريطانيا ملكتها الراحلة اليزابيث بعد سبعين عاماً على العرش كانت فيها بالنسبة لمعظم شعب بريطانيا رمزاً للاستقرار وعنصراً يساعد على تجاوز الازمات.
اللافت هنا هو هذا الجهد الكبير الذى يبذل من أجل «استثمار» الحدث سياسياً واقتصادياً وحتى سياحياً(!!) وفق برنامج تم إعداده بدقة تتحرك كل الأجهزة من أجل ذلك. تصبح بريطانيا هى مركز الأحداث، ويستولى حدث الرحيل على كل الاهتمام الإعلامى على حساب أحداث عالمية جسيمة. وسوف يستمر الامر كذلك إلى ما بعد جنازة الملكة الراحلة فى الاسبوع القادم والتى سيشارك فيها زعماء العالم.
رغم مشاعر الحزن فى بريطانيا، فإن أحداً لا يقصر فى «استثمار» الحدث من كل النواحى. ويبقى الأهم والأخطر هو الاستثمار السياسى للحدث داخلياً وخارجياً.
فى الداخل.. فإن الحدث يوفر فرصة لالتقاط الانفاس فى ظل أزمة اقتصادية صعبة، ويوفر فرصة لمحاولة تجاوز الانقسام الكبير الذى تعيشه بريطانيا وتدنى نسبة من يثقون فى قدرة الحكومة الجديدة على تجاوز الأزمة الحالية.
وضع الملكة الراحلة فى بؤرة الاحداث يذكر البريطانيين بأيام الوحدة فى ظل تنامى المخاوف من توجه استكلندا وإيرلندا الشمالية وويلز إلى الاستقلال.
وفى الخارج.. فإن تسليط الضوء على «مآثر» الملكة الراحلة يبدو كرسالة للدول التى مازالت تتبع العرش البريطانى وفى مقدمتها كندا واستراليا ونيوزيلنده، والتى يبدو انفصالها عن العرش مسألة وقت لا أكثر. كما يبدو الامر دعوة لدول الكومنولث لتبقى على تعاونها، ولتبقى على ظل العرش حتى ولو بصورة رمزية!
لا أحد بالطبع يتحدث عن كوارث سياسية حدثت فى عهدها مثل عدوان ٥٦ على مصر. صورة «الملكة الطيبة» تسود، والاستثمار فيها مطلوب حتى آخر لحظة!
نقلا عن اخبار اليوم