الأطفال يواجهون خطر التغير المناخي بمحاولة الصمود
كوكب الأرض لم يعد آمنًا على الجميع، الكل يدفع ثمن التغيرات المناخية والتي تزداد قسوتها على الأطفال الذين لم يكونوا أبدا سببًا في التلوث البيئي والتغير المناخي الذي صنعه لهم الأجداد ويجدون نفسهم أمام مرارة المواجهة، فأزمة المناخ عرضت بشكل أكبر بالفعل كل طفل تقريبًا في كل قارة لمخاطر مناخية متكررة وأكثر شدة وتدميرًا، من موجات الحر والجفاف إلى الأعاصير والفيضانات، من تلوث الهواء إلى الأمراض المحمولة بالنواقل، فبالنسبة لبعض الأطفال، فإن أزمة المناخ هي أكثر من مجرد خطر متزايد، إنها حقيقة تهدد الحياة وتؤثر على هؤلاء الأطفال وعائلاتهم ومستقبلهم وبالتالي على مجتمعاتهم.
وتستعرض وكالة أنباء الشرق الأوسط -في تقرير اليوم /الإثنين/- أهم آثار التغيرات المناخية على الأطفال وكيف يرونها بأعينهم ويشعرون بها في حياتهم ويعبرون عنها بلغتهم البسيطة.. وما هي أحلامهم الطفولية لإنقاذ كوكبنا من هذا الخطر الداهم، وآراء المتخصصين في هذه القضية والحلول الممكنة لإنقاذ هذه الفئة من تلك المخاطر.
فالحالة المؤسفة للمناخ أدت إلى فقدان الطفل أسعد السوداني منزله بعد أن دمرته السيول اضطر معه الطفل الصغير أن يحمل ما بقي من أحلامه الصغيرة مع كراسة صغيرة مبللة وملبسه الوحيد الذي يحمى جسده ليبحث عن مكان آخر يعيش فيه بعيدا عن الخطر.
أسعد الذي أغرورقت عيناه وذرفت دموعه عندما تذكر مثل تلك الأحداث وكيف أرغمته التغيرات المناخية على ترك منزله بعد أن انهارت المراكز الصحية وانهارت البيوت وأغلقت الطرق والمدارس واصفًا إياها بأنها غضب الطبيعة وأنه يجب أن نتحد سويًا حتى ترجع الطبيعة إلى ما كانت عليه.
أسعد كان واحدًا من مجموعة طفال قدمتهم هيئة إنقاذ الطفولة الدولية في ورشة عمل عقدتها مؤخرًا بالقاهرة حول "تداعيات التغيرات المناخية على حقوق الطفل" وقام الأطفال خلالها بعرض تجاربهم الشخصية مع تأثيرات التغير المناخي، كما وجهوا رسالتهم للعالم لإنقاذهم من الخطر القادم.
ينصح الطفل غسان (12 سنة من سوريا) -التي أدت الحروب فيها إلى اضطراب النظم البيئية المحلية مع جعلها أقل تنوعًا وقدرة على الصمود وعرضة لتأثيرات تغير المناخ- إلى رفع الوعي بعدم رمي القمامة وخاصة الأكياس البلاستيكية في البحار حتى لا تؤثر على الثروة السمكية، وفرض غرامات قانونية على غير الملتزمين خاصة، وأن ظاهرة تراكم القمامة بالشوارع ينتج عنها غازات تؤثر على طبقة الأوزون؛ لذلك يمكن أن نشكل فرقًا لنجمع القمامة من الشوارع والبحر، ووضع صناديق كثيرة في الشوارع لرمي المخلفات وبالتالي سنقلل من احتراق القمامة ونمنع ثقب الأوزون ونقلل من التغيرات المناخية التي تضرنا كأطفال.
حقوق الطفل:
ما قاله الأطفال يؤيده تقرير صدر مؤخرًا لمنظمة اليونيسيف حول التغير في البيئة والمناخ، حيث أشار التقرير إلى أن الأطفال هم الفئة الأقل مسؤولية عن تغير المناخ، إلا أنهم يتحملون العبء الأكبر، موضحًا أن تغير المناخ يشكل تهديدًا مباشرًا لقدرة الطفل على البقاء والنماء والازدهار، حيث أخذت الظواهر الجوية القصوى، من قبيل الأعاصير وموجات الحر، تتزايد في تواترها وشدتها، وهي تهدد حياة الأطفال وتدمر الهياكل الأساسية الحيوية لعافيتهم، كما تتسبب الفيضانات بإضعاف مرافق المياه والصرف الصحي، ما يؤدي إلى انتشار أمراض من قبيل الكوليرا، وهي تمثل خطرًا داهمًا على الأطفال بصفة خاصة.
وأشار التقرير إلى أن مسببات تلوث الهواء هي نفسها ما يتسبب بتغير المناخ، ويعيش حوالي مليوني طفل في مناطق تتجاوز فيها مستويات تلوث الهواء المعايير التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، ما يجبرهم على تنفس هواء سامّ ويعرّض صحتهم وتطور أدمغتهم للخطر، ويتوفى أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة سنويًا جراء أسباب متعلقة بتلوث الهواء، وسيعاني عدد أكبر منهم من أضرار دائمة تلحق بنماء عقولهم ورئاتهم.
وذكر التقرير أن الأطفال المستضعفين يواجهون أصلًا خطرًا أكبر، إذ تواجه الأسر الأشد فقرًا صعوبة أكبر في تحمل الصدمات، وقد أخذ الأطفال الأشد ضعفًا يخسرون منازلهم وصحتهم وتعليمهم، وبما أن تغير المناخ يجعل الأزمات أكثر شيوعًا، فإن ذلك يجعل التعافي منها أكثر صعوبة، فمن المتوقع أن يعيش 600 مليون طفل في مناطق يتجاوز الطلب على المياه فيها كمية الموارد المتوفرة، وبدون القيام بإجراءات حاليًا، سيؤدي تغير المناخ إلى تفاقم انعدام المساواة التي يواجهها الأطفال أصلًا، وستعاني أجيال المستقبل.
الصغار يضعون الحل:
من محافظة الفيوم، تقول الطفلة جنى (فتاة تبلغ من العمر 12 عامًا) - التي يصفها أصدقاؤها ومدرسوها بأنها فتاة متفوقة ومتعددة المواهب، بجانب اهتمامها بقضايا البيئة والمناخ- إن المياه التي نشربها يجب أن تمر أولًا على محطات التنقية حتى لا تتضرر صحتنا لأن هناك سفنًا ومصانع تلقى مخلفاتها في المياه التي نشربها، ولا ننسى أن هناك سمكًا يعيش في البحر ونأكله في النهاية ويجب أن نحافظ عليه من التلوث، كما تحدثت عن إعادة التدوير قائلة: "كل شيء يتم تدويره تكون له أهمية، زجاجات المياه يمكن تعقيمها وعمل زجاجات أخرى منها والورق أيضًا والبلاستيك وبذلك نقلل من حجم القمامة؛ وبالتالي نقلل من الغازات الضارة التي تنتج عنها ونحافظ عليها من التغيرات المناخية.
ويتحدث الطفل جورج (10 سنوات) الذي يعيش في محافظة الفيوم أيضا عن طرق ترشيد المياه في الزراعة، من خلال الري بالتنقيط قائلًا: "الري بالتنقيط مفيد للمياه وللنبات، لأن النبات سيأخذ كمية مياه معقولة ولا يكون هناك إهدار للمياه والسماد، وعن اقتراحاته للحد من تلوث الهواء الذي يضر بالكوكب يقول: "علشان الأرض ماتعيطش، ممكن مانروحش كل مكان بالعربية علشان التلوث، وممكن نتمشى أو نقود الدراجة".
أما نعمة (18 سنة) من أسيوط تساءلت: "هنستنى لحد أمتى؟ مش هينفع نستنى أكتر من كده علشان نأخذ موقفًا فيما يتعلق بالتغيرات المناخية لو استنينا أكتر من كده هتحصل مجاعات خاصة في الدول الفقيرة".
كما أكدت شهد (16 سنة) من القاهرة أن "ارتفاع درجات الحرارة أثر على المحاصيل والفلاحين وبالتالي أسعار السلع بيزيد، وكمان بتؤدي إلى انتشار الأمراض".
وقال يوسف (15 سنة) من الإسكندرية إن "النشاط البشري تسبب في تغير المناخ والاحتباس الحراري، ممكن بدل ما نرمي البلاستيك في الشارع والبحر نعمله إعادة تدوير كده بنفيد نفسنا والبيئة".
إجراءات عاجلة:
هذه النصائح والتساؤلات التي قدمها الأطفال، تتوافق مع ما أكدت عليه الدكتورة سامية دسوقي مدير عام الإعلام والنشر بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، حيث نوهت إلى ضرورة رفع وعي المجتمع بتأثيرات ظاهرة تغير المناخ على الأطفال وحقوقهم.. مشيرة إلى أن قضية تغير المناخ ترتبط ارتباطًا وثيقا بحقوق الطفل في البقاء والنماء والحماية بل والمشاركة أيضًا، وفي إطار إنفاذ مصلحة الطفل الفضلى التي تلتزم بها مصر في كل إجراءاتها وتدابيرها حيث يعتبر الأطفال أكثر الفئات تأثرًا بظاهرة التغير المناخي سواء على المدى القصير أو على المدى الطويل لأنهم يمثلون الجيل المستهدف من التنمية المستدامة وعليهم يقع التأثير والدور الأكبر لأنهم جيل المستقبل.
وقالت إن الأطفال من أكثر الفئات تعرضًا للمخاطر البيئية، فوفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية عام 2018 يتنفس كل يوم حوالي 93% من الأطفال في العالم الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة (1.8 مليار طفل) هواءً ملوثًا إلى درجة أنه يعرّض صحتهم ونموهم لخطر شديد.. وللأسف، فإن العديد منهم يفقدون حياتهم بصورة مأساوية وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 600.000 طفل ماتوا في عام 2016 بسبب إصابات حادة في الجهاز التنفسي السفلي ناجمة عن تنفس هواء ملوّث حيث يشكل تلوث الهواء أحد التهديدات الرئيسية لصحة الطفل، حيث يتسبب في 1 من كل 10 حالات وفاة بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات.
وأضافت الدكتورة سامية دسوقي أنه انطلاقًا من أن هناك حقوقًا للطفل في المعرفة والإعلام والتي تحقق مصلحته الفضلى فقد اتفقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على حق الطفل في الإعلام وتلزم المادة 17 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الدول الأطراف بضمان وصول الطفل للمعلومات التي تستهدف تعزيز رفاهيته الاجتماعية والروحية والمعنوية وصحته النفسية والبدنية والعقلية، كما أن للأطفال حقًا في المشاركة من خلال الإعلام حيث تضمنت المبادئ الأساسية لاتفاقية حقوق الطفل في حق الطفل في المشاركة والاستماع لآرائه وإيلائها ما تستحق من أهمية وعلى وسائل الإعلام أن تكون متاحة للطفل لممارسة هذه الحقوق ولا يحب اعتبارهم مستهلكين فقط للمواد وإنما يجب أن يسهموا في وسائل الإعلام كمنتجين ومقدمين برامج التي تستهدفهم.
وأشارت إلى أنه لوسائل الإعلام دور في الترويج لحقوق الطفل حيث ترتبط الفقرة الأولى من المادة 17 من الاتفاقية بالاستراتيجيات الخاصة بدور وسائل الإعلام في المساعدة على أعمال حق الطفل في النماء، والحق في الصحة، وتحقيق أهداف التربية والتعليم والحق في الترفيه.. وتابعت: "من هذا المنطلق فإنه لزامًا علينا النظر إلى الجهود الدولية والإقليمية والمحلية لدور وسائل الإعلام في مجال حقوق الطفل وأن تضطلع وسائل الإعلام الجماهيرية بدور أساسي في زيادة التوعية بحالة الطفل والتحديات التي يواجهونها وبدورها في تزويد الأطفال والآباء والأسر والرأي العام بمعلومات عن المبادرات والنماذج التي تحتذى والتي تهدف إلى حماية حقوق الطفل وتعزيزها وينبغي أن تسهم في البرامج التربوية للطفل وأن تولى اهتمامًا بتأثيرها على الطفل".
ونوهت الدكتورة سامية دسوقي إلى أن المجلس القومي للطفولة والأمومة يعمل على تكثيف التعبئة المجتمعية على جميع المستويات وتشجيع المشاركة الفعالة في الإجراءات من أجل حماية حقوق الأطفال، حيث تستند رؤية المجلس في تحقيق تقدم للحد من آثار الظاهرة وتأثيراتها السلبية على الأطفال بصفة خاصة اتساقًا مع أهداف التنمية المستدامة واتساقًا مع رؤية مصر 2030 والتي ترتكز على الارتقاء بجودة الحياة وتحسين مختلف نواحي الحياة وأولها البقاء ومن خلال إطار مؤسسي يقوم على الشراكة والتنسيق الجيد ويستهدف كافة الأطراف المعنية بالقضية وعلى رأسها الأسرة المصرية ويمثل الطفل القلب منها، وتمثل الوقاية محورًا مهمًا في تطبيق تلك الرؤية ومن منظور حقوقي لضمان حماية الطفل.
وقالت إن هناك ضرورة أن يدعم الإعلام بشكل مخطط حق الطفل في المشاركة الفعالة في حل المشكلة، وأن يتم التعامل مع الأطفال كمبدعين نشيطين ومهرة ومسؤولين لديهم وجهة نظر وخبرة يعرضونها بالرغم من حداثة عمرهم، وأن في استطاعتهم إنتاج محتوي إعلامي له بصمته الخاصة والذي يلبي متطلباتهم، إضافة إلى كونهم مستهلكين إعلاميين، وللأطفال الحق في المشاركة بشكل مباشر وفاعل في مختلف مراحل الإنتاج الإعلامي، والتأثير في المحتوي بأفكارهم وآرائهم.
وأكدت سامية أنه يتطلب التدخل لحل المشكلة إعداد بحوث ودراسات عن تأثيرات تغير المناخ على صحة الأطفال البدنية ومدى تأثيرها على الجهاز التنفسي وأيضًا الحالة التغذوية للأطفال وتأثيرها والتوعية بها وتأثيراتها على معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة ومعدل النمو لديهم وصحتهم النفسية ويستدعى ذلك المزيد من الأبحاث العلمية في مجالات الطبية والاجتماعية والإعلامية.
من جانبه، أكد المدير العام لهيئة إنقاذ الطفولة في مصر المهندس تامر كيرلس أهمية مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27) التي تستضيفها شرم الشيخ نوفمبر المقبل، في إلقاء الضوء على احتياجات الأطفال وعرض آرائهم ومتطلباتهم على رؤساء الدول.. مشيرًا إلى نتائج بحث حديث أصدرته هيئة إنقاذ الطفولة الدولية بعنوان "ولدت في قلب أزمة المناخ"، بالتعاون مع فريق دولي من الباحثين في المناخ بقيادة جامعة فريجي بروكسل، إلى أنه بموجب تعهدات خفض الانبعاثات الأصلية لاتفاقية باريس، فإن الطفل المولود في عام 2020 سيشهد زيادة كبيرة في التعرض لظواهر الطقس المتطرفة مقارنة بشخص ولد في عام 1960 من بينها ضعف عدد حرائق الغابات، وتعرضه لما يقرب من ثلاثة أضعاف فيضانات الأنهار، وزيادة في موجات الحر بمعدل سبعة أضعاف.
وبدورها، نوهت السفيرة هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد ورئيسة قطاع الشئون الاجتماعية بجامعة الدول العربية، بما صدر عن مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب في دورته 41 باعتماد أجندة التنمية للاستثمار في الطفولة في الوطن العربي ما بعد 2015-2030 والتي أكدت في المحور المعني بالتصدي لتغير المناخ وآثاره على الأطفال إلى تبني مخرجات تسهم في تحسين كفاءة استخدام الطاقة للحد من ارتفاع درجات الحرارة، وتعزيز التثقيف في مجال غير المناخ، وجعل الأطفال فاعلين في سياسات التخفيف والتكيف مع تغير المناخ، وذلك بالتعاون مع الآليات المعنية بالطفولة والمنظمات الإقليمية والدولية لوضع هذه المخرجات موضع التنفيذ.
ووفقاً لآخر الأبحاث من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أمامنا أقل من 11 سنة لإجراء التحوّل الضروري لتجنب أسوأ تأثيرات تغير المناخ، ويلزم تخفيض مستوى ثاني أكسيد الكربون في الجو بمقدار 45 في المئة بحلول عام 2030 لمنع تجاوز الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية، وهذه هي المرة الأولى التي سينشأ فيها جيل عالمي من الأطفال في عالم أكثر خطورة بكثير وأقل يقينًا، فالتصدي لتغير المناخ والحد من تأثيراته أمران ضروريان لحماية أطفال العالم.