كرم جبر يكتب: فى ذكرى فض اعتصام رابعة
رجل بلدياتنا فى الأرياف، وخلفه زوجته المنتقبة، تحمل طفلاً رضيعاً، وهو يحمل شنطة سفر كبيرة ويسحب طفلاً فى يده الأخرى.. يسيرون فى الممر الآمن وسط الدخان والأتربة وطلقات الرصاص والقنابل المسيلة للدموع، حتى وصلوا إلى منطقة متسعة فيها حافلات، لتنقلهم من حيث جاءوا.
المشهد شد انتباهى بقوة.. جاء ليبقى هو وأسرته فى اعتصام رابعة.. وقالوا له: «إن الوقوف برابعة أفضل من الوقوف بعرفات»، وملأوا الفضاء بخرافات وأكاذيب، وخبأوا السلمية بالمولوتوف والقنابل والسيوف والجنازير.
والآن بعد عشر سنوات أطرح سؤالاً: هل كانوا يتصورون أنهم سيعلنون قيام دولتهم المستقلة فى رابعة، وأن العالم سيهب للاعتراف بهم؟، وهل كان ممكناً السكوت على هذه الفوضى فى قلب القاهرة؟
وأطرح سؤالاً أكثر أهمية: أين ذهب هؤلاء وكأنهم «فص ملح وذاب»، وهل تراجعوا وأدركوا أنهم لم يكونوا على صواب؟
المؤكد لا.. وتجارب التاريخ تقول إنها «نظرية الكمون»، فعندما تشتد قبضة الدولة يختفون تحت الأرض، وعندما تضعف يعودون إلى المسرح ولو من خرم إبرة.
والمؤكد أيضاً أن جميع المعتصمين فى رابعة والنهضة وبقية المحافظات لم يكونوا إخواناً، ولكن انضم إليهم فئات أخرى لأسباب كثيرة قد يكون من بينها: الفقر والبطالة.
كان فض اعتصامى رابعة والنهضة هما المواجهة الأشرس عنفاً بين الدولة والإخوان، وكان التأييد الشعبى للدولة هو السياج الآمن الذى مهد لنجاح العملية بأقل قدر من الخسائر، فى ظل حشد المنطقة بدروع بشرية من الأهالي، يختبئون خلفهم، ويقدمونهم ضحايا وقتلى وجرحى، ولكن كانت العملية أشبه بالجراحة الدقيقة.
لا أؤمن بأن العقول تطهرت والنوايا خُلصت والدروس تم استيعابها، والدليل أنهم يطورون أدوات الحرب بنوع جديد يشبه الاعتصامات، مثل: التضليل والكذب والتشكيك والخداع.
وعلى طريقة صور الأطفال السوريين القتلى فى الحرب على أنها لأطفال مصريين، والحمام الأخضر الذى يقتل الحمام الأسود ثم يقف على كتف مرسي، وغيرها من الأكاذيب.. يفعلون الآن.
يركزون هجومهم للانقضاض على كل ما تحقق فى السنوات العشر الأخيرة، وكأن شيئاً لم يحدث وأن هذه السنوات ضاعت هباءً، فإذا حدث انقطاع مؤقت للكهرباء، أهالوا التراب على كل المشروعات الضخمة فى هذا المجال، للإيحاء الكاذب بأنها لم تحدث، وتعزف كتائبهم الإلكترونية أكاذيبها السوداء.
وإذا حدثت أزمة مرورية طارئة، أنكروا المحاور والطرق والمشروعات الجديدة، وكأنهم يريدون الناس أن يروا بعيونهم وليس بعيون الحقيقة، ونفس الشيء إذا نقصت سلعة واحدة من البطاقات التموينية.
الأزمات والتحديات كثيرة، وتحتاج إلى الاصطفاف والمواجهة والتحدى وليس التآمر والشائعات والتشكيك.
فشلوا فى استخدام الإسلام كدروع واقية، واستهجن المصريون فتوى «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار»، واستنكروا استباحة حرمة الموت وهم يضعون القتلى فى طابور على الأرض، على غرار ما تفعله داعش للمتاجرة بهم فى الداخل والخارج، وانقلب السحر على الساحر باستنهاض الوعى لدى المصريين البسطاء، واقتناعهم بأن ما يحدث لا يمت للإسلام بصلة، وإنما جرائم إرهابية منظمة حاول الإخوان تحويلها إلى حرب دينية.
نقلا عن اخبار اليوم