23 عاما على استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة
«مات الولد.. مات الولد»، لا تزال تلك الجملة الشهيرة حينما يسمعها كل فلسطيني يعرف أن المقصود بها الشهيد محمد الدرة الذى ارتقى شهيدًا برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي، في 30 سبتمبر/ أيلول من العام 2000، وذلك في اليوم الثالث لاندلاع الانتفاضة الثانية «انتفاضة الأقصى».
جريمة اغتيال الدرة لا تزال واحدة من أبشع جرائم الاحتلال، التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، حيث كشفت عن مدى جرم ووحشية الاحتلال الذي يطلق الرصاص بدمٍ بارد على الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، وكان ذلك في بث مباشر أمام الشاشات العالمية.
وأصبح محمد الدرة أيقونة فلسطينية هزت ضمير العالم، وأيقونة الانتفاضة الفلسطينيّة وملهمها، وصورتها الإنسانية في مشهد لن ينساه العالم.
لحظة الاستشهاد
لحظة استشهاد الطفل الدرة بين ذراعي والده، وأظهرت كيف أن الوالد كان يطلب من مطلقي النيران التوقّف وهو يختبئ خلف برميل إسمنتي، لكن دون جدوى، إذ فوجئ بابنه يسقط شهيدًا برصاص قناصة جنود الاحتلال الذين تعمدوا إعدامه، وهو يردد «مات الولد.. مات الولد».
فقد حاول الأب جمال الدرة يائسًا أن يحمي ابنه بكل قواه، لكن الرصاص اخترق يد الوالد اليمنى، ثم أصيب محمد بأوّل طلقة في رجله اليمنى وصرخ: «أصابوني»، ليفاجأ الأب بعد ذلك بخروج الرصاص من ظهر ابنه الصغير محمد، الذي ردد: «اطمئن يا أبي أنا بخير لا تخف منهم»، قبل أن يرقد الصبي شهيدًا على ساق أبيه، في مشهدٍ أبكى البشرية وهزّ ضمائر الإنسانيّة.
ولد محمد جمال الدرة يوم 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1988 بمخيم البريج وسط قطاع غزة، ودرس محمد حتى الصف الخامس الابتدائي.
انتفاضة الأقصى
مشهد الطفل الدرة، زاد من حدة الغضب لدى الفلسطينيين، خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت يوم 28 من سبتمبر/ أيلول 2000، عقب اقتحام رئيس وزراء الاحتلال السابق أرييل شارون المسجد الأقصى، ومعه قوات كبيرة من الجيش والشرطة.
وتجوّل شارون في ساحات المسجد، وقال إنّ «الحرم القـدسـي» سيبقى منطقة إسرائيليّة، وهو ما أثار استفزاز الفلسطينيين، فاندلعت المواجهات بين المصلين والجنود الإسرائيليين.
شهداء وطائرات حربية
وبلغ عدد شهداء انتفاضة الأقصى، التي استمرت حتى بداية عام 2005، نحو 4400 شهيد فلسطيني، فيما بلغ عدد الجرحى قرابة 50 ألف شخص.
وفرضت انتفاضة الأقصى نفسها في فلسطين والكيان الإسرائيلي والمنطقة العربية فظهرت مواقف الأطراف متباينة إذ اعتبر الكيان الإسرائيلي أن استمرار الانتفاضة عناد فلسطيني لابد من القضاء عليه فلجأت إلى استخدام آلات الحرب مثل طائرات الأباتشي وال «اف 16» والدبابات، ولم تقف عند رد أحجار الأطفال الفلسطينيين بل تجاوزتها إلى هدم البيوت وجرف الأراضي الزراعية وإغلاق المعابر، ومنع أكثر من 120 ألف عامل فلسطيني يعملون داخل الخط الأخضر من الوصول إلى أماكن عملهم.
في خلفية اندلاع الانتفاضة، بعد أسبوعين من المفاوضات التي عقدت في منتجع “كامب ديفيد” بدعوة من الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، ومشاركة الرئيس الشهيد ياسر عرفات، ورئيس وزراء الاحتلال الأسبق إيهود باراك، وفي تموز من العام 2000، وبعد عدم التوصل إلى حل سلمي للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، اندلعت «انتفاضة الأقصى».
السور الواقي وجدار الفصل العنصري
آنذاك، رفض الرئيس الشهيد عرفات تقديم تنازلات من شأنها التوقيع على الاتفاقية التي كانت ترسم شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية، وشهد عصر الخميس 28 أيلول 2000 مواجهات بين مصلين وشبان غاضبين وشرطة الاحتلال وحرس حدوده وقواته الخاصة، التي اقتحمت باحات الأقصى، لتأمين تدنيسه من قبل زعيم حزب الليكود المتطرف أرئيل شارون، وعدد من أعضاء حزبه اليمينيين، فكانت تلك الساعات الشرارة الأولى لانطلاق الانتفاضة الثانية، والتي عُرفت فيما بعد باسم «انتفاضة الأقصى».
ولعل من أبرز أحداث الانتفاضة اجتياح العام 2002، التي أطلق عليه جيش الاحتلال عملية «السور الواقي»، حيث بدأت دبابات الاحتلال بدخول مدينة رام الله في 29-3-2002، ومحاصرة مقر الشهيد الراحل عرفات، وكنيسة المهد، وإبعاد المقاتلين الذين تحصنوا داخلها إلى غزة والأردن ودول أوروبية، وأعادت فيها إسرائيل اجتياح جميع مدن الضفة الغربية.
وكان من أشد نتائجها خرابا، بناء جدار الفصل العنصري، الذي يبلغ طوله 728 كم، ويلتهم 23% من أراضي الضفة الغربية، خاصة في مناطق جنين وقلقيلية وسلفيت والقدس، ويفصل 36 قرية “72000” مواطن عن أراضيهم الزراعية، ويقسم الضفة الغربية الى كنتونات منفصلة، وضم 11 قرية فلسطينية “26 ألف نسمة” الى أراضي الـ48، إضافة إلى حرمان الفلسطينيين من 50 بئر مياه جوفي، توفر 7 ملايين متر مكعب من المياه، تقع ضمن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها.