مقال أحمد الخميسي يكتب: شعب لا يهزم وقضية لا تموت
قطعت اسرائيل الكهرباء والمياه والغذاء والدواء عن أكثر من مليوني إنسان في غزة، واستشهد في غزة أكثر من ستمائة طفل فلسطيني، وراحت الأحداث تعيد للحقائق لمعتها وتجعلها تطل مثل الشمس. في ١٤ مايو عام 1948 أعلنت دولة الكيان الاسرائيلي عن وجودها وحينذاك عرضت على الفنان العالمي شارلي شابلن جواز سفر الدولة رقم واحد، لكن شابلن رفض الجواز وصرح بأن إنشاء دولة لليهود أمر مضحك يشبه أن نحشر المسيحيين جميعا في الفاتيكان. وحين شاركت اسرائيل في الحرب على مصر عام 1956 قال شابلن: " إن الدولة التي يقوم كيانها على دعوة عنصرية دينية مثل إسرائيل لا يمكنها البقاء"، وأضاف:"إن قواعد الاستعمار العسكرية مثل اسرائيل ستلغى جميعا بإرادة الشعوب". أدرك شابلن بحسه الانساني أن ذلك الكيان مجرد قاعدة عسكرية للاستعمار أطلقوا عليها صفة دولة واخترعوا لها شعبا. أما لينين زعيم البلاشفة فقد تنبأ بطبيعة الدولة المرتقبة، وبإشراف لينين جاء في وثائق مؤتمر الكومنترن الثاني في 28 يوليو 1920 بالنص: " إن الدليل الواضح على خداع جماهير شغيلة الأمة .. يتجلى في الصهيونية التي تقدم فلسطين قربانا إلي الاستغلال البريطاني بحجة تأسيس دولة يهودية في فلسطين حيث يشكل الشغيلة اليهود مجرد أقلية ضئيلة". مجددا تلمع حقيقة أن ذلك الكيان مجرد قاعدة عسكرية استعمارية تخدم أهداف الاستعمار الأمريكي وحلفائه لتطويع بلدان المنطقة للاستغلال، وقد أثبتت إسرائيل حقيقة دورها في الحرب على مصر عام 1956، و1967، إلى حرب أكتوبر 1973، ومنذ ان شاركت في قصف العراق ونهب آثاره، وتقسيم السودان، واحتلال أجزاء من لبنان ، والدعم الكامل لبناء سد اثيوبيا، وضرب سوريا حتى خلال الحصار الاسرائيلي لغزة هذه الأيام، الأكثر من ذلك أن إسرائيل شاركت جورجيا في الحرب على أوسيتيا الجنوبية، وحيثما استلزم الأمر خدمات القواعد العسكرية كانت اسرائيل تبرز وتقدم خدماتها أينما كانت الحرب. وقد كتب عالم النفس الشهير فرويد في رسالة إلى حاييم كوفلر يقول له : " بالتأكيد إنني لا أتعاطف مع أهداف الصهيونية.. ولا أعتقد أن فلسطين يمكن أن تصبح دولة يهودية". إن مشكلة اسرائيل ليست البحث عن وطن قومي لليهود، فهذا مجرد غطاء لدور القاعدة الاستعمارية، ولو كان البحث عن وطن قومي هدفا لهم لحصروا نشاطهم في فلسطين، لكن نشاطهم العدواني الذي يمتد خارج فلسطين يوضح حقيقة دور وطبيعة ذلك الكيان، الذي تدعمه المصالح الاقتصادية لدول الغرب التي تتغنى بالديمقراطية. وبذلك الصدد جدير بالذكر أن الشرطة الفرنسية قمعت مظاهرات تناصر فلسطين، بل وأصدرت حكومة ماكرون مرسوما بتغريم كل شخص يشارك في الاحتجاج على العدوان الاسرائيلي مبلغا ماليا وسجنه سبع سنوات!
ولعل أهم ملمح في الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة أنها عرت تماما حقيقة ذلك الكيان، عرته أمام جنود الغزو الذي يدعي أنهم مواطنون، وكشفت أن الكذبة مهما طال وجودها تظل كذبة، وأن انقضاء زمن على الأكاذيب لا يحولها إلى حقائق، خاصة عندما يتعلق الأمر بشعب لا يهزم وقضية لا تموت.