تقرير لرويترز يحذر من أزمة مقبلة بشأن إحصاء الشهداء في غزة
سلط تقرير لوكالة رويترز للأنباء الضوء، اليوم الخميس، على التحديات المستقبلية بشأن إحصاء الشهداء في غزة.
وأشار التقرير إلى الأرقام والإحصاءات الصادرة عن وزارة الصحة في غزة التي تقول إن الهجوم الإسرائيلي أودى بحياة 16015 فلسطينيا على الأقل.
واستند إلى ما أعلنت عنه وكالات إغاثة من أن الكارثة الإنسانية في غزة تتفاقم كل ساعة مع تشرد معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة ومحاصرتهم في جيب ساحلي ضيق مع القليل من الغذاء والماء والرعاية الطبية والوقود والمأوى الآمن.
ولفت التقرير أيضا إلى تزايد القلق من احتمال عجز السلطات الصحية في غزة عن مواصلة الإحصاء الدقيق للضحايا مع تدمير البنية التحتية الأساسية وتكرار تعطل خدمات الهاتف والإنترنت ومقتل أو اختفاء عدد من القائمين على هذه العملية.
ويشير تقرير «رويترز» إلى أنه في الأسابيع الستة الأولى من الحرب، أرسلت مشارح المستشفيات في أنحاء غزة الأرقام إلى مركز الإحصاء الرئيسي التابع لوزارة الصحة في غزة بمستشفى الشفاء. واستخدم المسؤولون برنامج إكسل في تسجيل أسماء الشهداء وأعمارهم وأرقام بطاقات هوياتهم ونقلوا ذلك إلى وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله.
ووفق «رويترز» قال عمر حسين علي، مدير مركز عمليات الطوارئ التابع للوزارة في رام الله، قال إن من بين المسؤولين الأربعة الذين يديرون مركز بيانات الشفاء، لقى أحدهم حتفه في غارة جوية أصابت المستشفى بينما لا يُعرف مصير الثلاثة الآخرين حين استولت القوات الإسرائيلية على المبنى بحجة أنه مخبأ لحماس.
وقال هاميت داردوغان، مؤسس ومدير مشروع ضحايا حرب العراق الذي أنشئ أثناء الغزو والاحتلال الأميركي للعراق «ذاك النوع من تسجيل الضحايا المطلوب لفهم ما يجري أصبح أكثر صعوبة. فالبنية التحتية للمعلومات والأنظمة الصحية تتعرض لتدمير ممنهج».
ويسلط التقرير الضوء على أنه مع انهيار الهدنة التي استمرت أسبوعا واحدا في الأول من ديسمبر/كانون الأول، أصبح تحديث الحصيلة الذي كان يصدر يوميا بشكل عام غير منتظم. وجاءت أحدث إضافة لبيانات وزارة الصحة في غزة يوم الإثنين عبر المتحدث باسمها أشرف القدرة ليرفع عدد الشهداء إلى 15899.
كما يتطرق إلى عدم عقد القدرة مؤتمره الصحفي المعتاد يوم الثلاثاء، أو إصدار أي بيان لنحو 48 ساعة حتى وقت متأخر من مساء أمس الأربعاء عندما بعث برسالة عبر تطبيق واتساب للصحفيين لم تتضمن تقريرا يوميا عن الضحايا. لكنه قال إن مستشفى الأهلي العربي المعمداني في مدينة غزة مكتظ بالمصابين والشهداء وإن المصابين ينزفون حتى الموت.
ولم يصدر سوى تقريرين جزئيين من الوزارة حدثا عدد الشهداء، بناء على عدد الجثث التي وصلت مستشفيين، بواقع 43 جثة يوم الثلاثاء، و73 جثة أمس الأربعاء.
وقالت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة يوم الثلاثاء إن الخدمات الصحية في غزة في حالة يرثى لها، بعد قتل القوات الإسرائيلية لأكثر من 250 موظفا واعتقالها 30 على الأقل.
* هل أرقام الضحايا المعلنة شاملة؟
جواب الخبراء لرويترز على هذا السؤال كان بالنفي. وقال متحدث باسم وكالة لحقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة «يشير رصدنا إلى أن الأرقام التي قدمتها وزارة الصحة قد تكون أقل من الواقع لأنها لا تشمل الذين لم يصلوا إلى المستشفيات أو من يُحتمل وجودهم تحت الأنقاض».
كما قال ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر البحوث الإنسانية في كلية الصحة العامة في جامعة ييل الذي عمل في إحصاء قتلى الصراعات المسلحة والكوارث الطبيعية أكثر من 20 عاما «إنه افتراض منطقي أن الأعداد المسجلة أقل من الواقع، ومنخفضة».
وجاء في تقرير للسلطة الفلسطينية صادر في 26 أكتوبر/تشرين الأول أن ألف جثة على الأقل لا يمكن انتشالها أو نقلها إلى المشارح، نقلا عن عائلات أجرى موظفو السلطة الفلسطينية مقابلات معها وهو مثال واضح لتأثير الحرب «على جمع البيانات والإبلاغ عنها»، حسبما جاء في تقرير لمجلة لانسيت.
وقالت الوزيرة مي الكيلة يوم الثلاثاء إن عدد الجثث التي يخشى أنها مطمورة تحت الأنقاض يصل الآن إلى الآلاف، وإن الدمار لحق بجزء كبير من معدات الحفر التابعة لقوات الدفاع المدني في غزة في الغارات الجوية الإسرائيلية.
* ما مدى دقة أرقام الخسائر البشرية حتى الآن؟
يقول خبراء في الصحة العامة لرويترز إن غزة قبل الحرب كانت تتمتع بإحصاءات سكانية جيدة، من إحصاء عام 2017 وعمليات مسح أحدث للأمم المتحدة وأنظمة معلومات صحية سلسة وأفضل من معظم دول الشرق الأوسط.
وقالت أونا كامبل، الأستاذة في كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، إن السلطات الصحية الفلسطينية تتمتع بمصداقية راسخة في أساليبها للحفاظ على الإحصاءات الأساسية وتتبع الوفيات بشكل عام، وليس فقط في أوقات الحرب. وتعتمد عليها وكالات الأمم المتحدة.
وقال ريموند من جامعة ييل «قدرات جمع البيانات الفلسطينية احترافية وكثيرون من موظفي الوزارة تدربوا في الولايات المتحدة. وهم يعملون بجد لضمان الدقة الإحصائية».
في 26 أكتوبر/تشرين الأول، نشرت وزارة الصحة الفلسطينية تقريرا مؤلفا من 212 صفحة تضمن أسماء وأعمار وأرقام هويات 7028 فلسطينيا سجلتهم كشهداء جراء ضربات جوية إسرائيلية، بعد أن شكك الرئيس الأميركي جو بايدن في الأعداد.
وحللت كامبل وأكاديميان آخران البيانات الواردة في تقرير مجلة لانسيت الطبية في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني وخلصوا إلى أن ليس هناك سبب واضح للشك في صحتها. وكتب الباحثون «نرى أن من غير المعقول أن هذه الأنماط (لمعدلات الوفيات) مستقاة من بيانات ملفقة».
ولم تصدر وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية تقريرا مفصلا مماثلا منذئذ في تجل لضعف الاتصالات مع غزة.
معاناة مستشفيات غزة من نقص الدواء وارتفاع عدد الشهداء والجرحى ـ رويترز
معاناة مستشفيات غزة من نقص الدواء وارتفاع عدد الشهداء والجرحى ـ رويترز
* ماذا تقول إسرائيل؟
يشير تقرير «رويترز» إلى ما أعلنه مسؤول إسرائيلي كبير للصحفيين يوم الإثنين أن نحو ثلث «القتلى» في غزة حتى الآن ممن وصفهم بالمقاتلين الأعداء، مقدرا عددهم بأقل من 10 آلاف لكن أكثر من 5 آلاف دون أن يقدم تفاصيل عن مسوغات لتقديره هذا.
وقال المسؤول، إن العدد الإجمالي الذي أعلنته السلطات الفلسطينية الذي بلغ حتى يوم الإثنين نحو 15 ألف شهيد دون تقسيم بين مدني ومقاتل.
وتقول جماعات لحقوق الإنسان وباحثون، إن ارتفاع عدد الضحايا المدنيين ناجم عن استخدام أسلحة ثقيلة تتضمن ما يسمى بالقنابل «الخارقة للتحصينات» التي تقول إسرائيل إنها تستهدف تدمير شبكة أنفاق حماس الاستراتيجية، كما تزعم إسرائيل أن الضربات الجوية على مناطق سكنية تهدف إلى تدمير أماكن تخبئ فيها حماس قواعد لمقاتليها ومنصات إطلاق صواريخ وأسلحة داخل المباني السكنية والمستشفيات وأسفلها.
* ما نسبة الأطفال بين الضحايا؟
يلفت التقرير إلى تعريف الأمم المتحدة والقانون الإسرائيلي والفلسطيني، الطفل بأنه الشخص الذي يقل عمره عن 18 عاما، على الرغم من أن بعض مقاتلي حماس يُعتقد بأنهم في هذه الفئة العمرية.
وقالت وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية يوم الثلاثاء، إن نحو 70% من الشهداء في غزة من النساء والأطفال دون 18 عاما، لكنها لم تنشر أي تقسيم للفئات العمرية منذ تقريرها الصادر في 26 أكتوبر/ تشرين الأول.
وجاء في تقرير مجلة لانسيت الطبية أن بيانات تقرير الوزارة الفلسطينية أظهرت أن 11.5% من الوفيات التي سجلتها في الفترة من السابع إلى 26 أكتوبر/تشرين الأول كانت لأطفال لا تزيد أعمارهم على 4 سنوات، وأن 11.5% تراوحت أعمارهم بين 5 و9 سنوات، و10.7% أعمارهم بين 10 و14 عاما و9.1% بين 15 و19 عاما.
وجاء في التقرير «هناك ارتفاع واضح بين الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و34 عاما، فيما قد يمثل مقاتلين أو تعرض المدنيين» مثل المسعفين في مواقع القصف والصحفيين والأشخاص الذين يخرجون لجلب الماء والغذاء لعائلاتهم.
* أيمكن أن يصبح إحصاء الضحايا من خسائر الحرب الآن؟
يستند التقرير لما قاله مبعوث منظمة الصحة العالمية إلى غزة ريتشارد بيبركورن يوم الثلاثاء من أن المرحلة الجديدة من الهجوم الإسرائيلي التي تمتد إلى النصف الجنوبي من قطاع غزة اعتبارا من الأول من ديسمبر/ كانون الأول زادت من تراجع القدرة على جمع بيانات موثوق بها عن عدد الشهداء.
وأضاف «مثلما نعلم جميعا، نحصل عادة على (البيانات) من وزارة الصحة، ومنذ أيام اعتمد الأمر أكثر على التقديرات، وأصبح الأمر أكثر صعوبة».
وبحسب «رويترز» قال خبراء، إن من المؤشرات المروعة الأخرى لخسائر الحرب أنه أصبح من المستحيل تقريبا أن تعمل مجموعة من التكنوقراط في مجال الصحة تتمتع بالكفاءة سابقا.
وقال ريموند من جامعة ييل «إنها علامة رهيبة حين نصل إلى نقطة، كما هو حال السودان حيث لا يكون هناك حتى تسجيل للوفيات. وهذا في حد ذاته يبدو لنا كعمال إغاثة الاحتمال الأسوأ».