أحمد الخميسي يكتب: الغرب الذي نكره .. الغرب الذي نحب
خطر لي أنه حتى الكراهية تحتاج إلى الوعى. خطر لي ذلك عندما طالعت ما وضعته الزميلة الصحفية وفاء نبيل على صفحتها في فيس بوك من أن شخصا كتب لها يقول:" فإذا كنتم تكرهون الغرب إلى هذه الدرجة فالقوا إذن بالموبايلات التي في أياديكم ولا تستخدموها". ويفهم من كلام ذلك الشخص أن علينا أن نقاطع الغرب جملة وتفصيلا ما دمنا نقف ضد الغرب ولا نتقبل مواقفه السياسية والعسكرية العدائية تجاه بلادنا، وأبرز مثال لها الموقف مما يجري في غزة. وأذكر بهذا الصدد أنه في 7 يناير 2015 وقع هجوم إرهابي على صحيفة " شارلي إبدو" راح ضحيته 17 قتيلا، فأعقب ذلك في 11 يناير مسيرة دولية في باريس للتنديد بالإرهاب شارك فيها قادة خمسين بلدا من مختلف انحاء العالم. هكذا وجدوا أن سبعة عشر قتيلا جديرون باحتشاد الزعماء، أما حين يروح شهيدا في غزة نحو عشرين ألف 70 بالمئة منهم أطفال ونساء، ويصاب نحو خمسين ألف، فإن الغرب يلزم الصمت. هذا هو الغرب الذي نكرهه، الغرب الذي يمد الكيان العدواني بالسلاح والمال والدعم في الهيئات الدولية. الغرب الذي نكرهه هو ذلك الذي جاء من بعيد ليحتل الجزائر في 1830 ، ومصر في 1882، والعراق في 1914، وغيرها من الدول العربية، ثم ترك الكيان الصهيوني مع غروب شمسه لتكون ذراعا له في المنطقة يضرب بها من يشاء. هذا هو الغرب الذي نكرهه، الغرب الذي ألقى على هيروشيما ونكازاكي أول قنابل ذرية في تاريخ البشرية. وسوف نظل نكرهه، لكن الكراهية كما سبق تحتاج إلى وعي، لأن هناك داخل ذلك الغرب العدواني الرأسمالي غربا آخر، نطق باسمه الكاتب العظيم برنارد شو حين أدان بشدة مذبحة دنشواي في مصر، وينطق باسمه جابريل جارسيا ماركيز في أبريل عام 2002 بعد مذبحة جنين حين كتب " ليل الضمير البشري" دفاعا عن الشعب الفلسطيني، ونحن نحب الغرب الذي يمثله الفيلسوف الإيطالي جان فانتيمو الذي صرح بأن جرائم إسرائيل في غزة تفوق ما ارتكبه هتلر ضد البشرية في حروبه مجتمعة. ونحن نحب الغرب الذي طلع منه ديكنز، وموتسارت، وبيتهوفن، وأنطون تشيخوف، وساراماجو، وغيرهم من ضمائر البشرية. أما عن استخدام ثمار العلم التي ظهرت في الغرب، فإن ذلك من حقنا تماما، لأنه ما من فكرة أو اختراع في العالم إلا وشاركت فيه شعوب العالم كلها. ولولا العلوم والاكتشافات السابقة التي ساهمنا فيها ما وصل الغرب إلى ما يخترعه، ويكفي أن نتذكر الزهراوي الذي تعمق في جراحة العظام والطب ووصف أكثر من ثلاثمائة مرض وابتكر ادوات فحص الأذن الداخلية، وأن نتذكرأبو بكر الرازي الذي صنف الأعصاب، وابن سينا الطبيب الفيلسوف، وابن الهيثم الذي ترك أكثر من 200 كتاب في الرياضيات وعلوم الفلك والبصريات وغيرها، وأيضا العالم المصري على مصطفى مشرفة الذي قال عنه صاحب نظرية النسبية اينشتين: " كنت أتابع أبحاثه بكل ثقة .. إنه من أعظم علماء الطبيعة في العالم". ذلك أنه ما شيء في العالم اخترعه فرد وحده، أو دولة بمفردها، فكل اختراع في العلم ، بل وفي الأدب هو ثمرة احتشاد كل فروع العلم والفن التي تتفجر في نقطة ما. نحن لا نقاطع المخترعات العلمية الغربية، ولا أدواتهم الطبية، هي حقنا، لأنها ثمرة عمل وكفاح البشرية التي تستكمل الاختراعات والأعمال الفنية بأنهار وأقمار كثيرة. نعم. تحتاج الكراهية إلى الوعي بالحب، و بأنه لا يجوز دمج طرفين متناقضين في جسم واحد : النظم الحاكمة في الغرب الاستعماري، وضمائر الشعوب.