كرم جبر يكتب: تحديات العام الجديد
أشياء جميلة نأخذها معنا إلى العام الجديد، نحتفظ بها ونحافظ عليها، وأهمها الروح الوطنية التى جسدت حب المصريين لبلدهم وخوفهم عليه، ومشاعرهم المتدفقة التى ترفض المساس بسيادته وكرامته.
وهذا الحب فى أمس الحاجة إلى «رد الجميل» من الحكومة ليكون من طرفين، وأن تقتحم هموم ومشاغل الناس، وتضع لها حلولاً جذرية، لتخفيف المعاناة وتوفير الحياة الكريمة، ومواجهة الغلاء الذى تشكو منه الأسر المصرية.
لا أريد أن أضرب أمثلة، وأدعو الوزراء المعنيين إلى النزول إلى الأسواق، ليشاهدوا بأنفسهم حالة «الغلاء الفوضوى» من يوم ليوم، دون مبررات واقعية أو اقتصادية، والكل يعلق الجرس فى رقبة الدولار، حتى لو لم يكن للسلعة أدنى علاقة بالدولار.
الروح الوطنية التى تحدت المستحيل بعد أحداث 25 يناير، يمكن أن تتعامل مع التحديات الحالية، ولنتذكر قبل 2014 أن الدولة كلها كانت مرشحة للانهيار، وتعيش أزمات خانقة فى كل شيء، ولكن بالإرادة والعزيمة والتصميم، نجحت فى بناء اقتصاد قوى، كان مرشحاً للصعود، لولا الأزمات الدولية التى تؤثر فى الأوضاع فى العالم كله.
ونحمل للعام الجديد روح التسامح الطيبة التى تسود المجتمع، خصوصاً بين عنصرى الأمة، بعد سنوات صعبة من الفتن الطائفية، واستهداف أقباط مصر من الجماعة الإرهابية وعناصرها، واستطاعت الدولة لم شمل المصريين جميعاً تحت مظلة الهوية الوطنية.
ويجب أن تستمر هذه الروح، فلا نسمع مستقبلاً من يحرم الاحتفال بأعياد الميلاد أو بناء الكنائس أو شم النسيم، وغيرها من المناسبات الطيبة، التى ينفث فيها المتطرفون سمومهم.
عام جديد نتمناه تجسيداً للاستقرار، فلا تقدم ولا حياة دونه، وأن يعيش المصريون فى اطمئنان، وأن يواجهوا مشاكلهم بالحوار والتفاهم والإقناع، وليس العنف أو الفوضى أو الخروج عن القانون، فقد عشنا تلك الأيام، ومازال الوطن يدفع ثمنها غالياً.
ولا نريد للإرهاب أن يطل علينا بأى صورة، فقد كان الثمن كبيراً من دماء الشهداء وتضحيات الأبطال، وإذا كان الطريق إلى الإرهاب يمر عبر فتاوى التطرف، فمن واجب المجتمع أن يخوض معركة «مكافحة التطرف»، ونشر الوعى والوسطية والاعتدال.
ونريد للمرأة مزيداً من الحماية والرعاية، ولا نتحدث عن سيدات الصالونات، إنما المرأة فى الريف والمعيلة والأرملة، وغيرهن من النساء اللائى غدر بهن الزمن، فأصعب شيء فى الحياة هو ألا تجد امرأة قوت يومها.
وإعلاء شأن المرأة يتطلب تسليط الضوء على الجوانب المضيئة، وليس حصرها فى فتاوى المتعة وزواج القاصرات وغيرها، فقد عفى الزمن على هذه الأفكار الرجعية.
وفى العام الجديد تكون المهمة الصعبة هى تحصين الشباب ضد ثلاثة أمراض تروج لها المنصات العالمية: الشذوذ والتطرف والإلحاد، وتخصص بعض المنصات مئات الملايين من الدولارات لنشر تلك السموم، وتتطلب المكافحة أن يشحذ المجتمع عناصر تميزه ليقدمها بديلا آمناً للعقول المتعطشة للمعرفة والتغيير.
عام جديد نتمناه سعيداً بإذن الله، والطريق إلى ذلك هو رفع درجات اليقظة إلى ذروتها، وتحفيز روح الاجتهاد الجماعى فى القضايا الكبرى، وضرب المتجرئين على الفتوى بكل صنوفها، السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية.
فشخصية الأوطان هى «تجميع» لشخصية الإنسان، ولدينا «رصيد الذهب» من الحضارة والثقافة والفنون والآداب، والرغبة فى إيصال الماضى بالحاضر، لنصل إلى مستقبل الطمأنينة.
نقلا عن اخبار اليوم