أحمد الخميسي يكتب: ” عيب كده .. احنا بنكتب ! ”
شهد معرض الكتاب هذا العام عددا غير قليل من إصدارات الشبان الجديدة في مجال الرواية والقصة والشعر، ولقد تعامل البعض بخشونة مع فرح الشبان بأعمالهم الأولى، والتقاطهم الصور وهم يضمون كتبهم إلى صدورهم، بدعوى أن أحدا لا يقرأ شيئا من كل ذلك، وأن عدد الأدباء على منصات الندوات كان في معظم الحالات يفوق عدد الحاضرين في القاعة. لكني أعتقد أن علينا أن نفرح مع الشبان وبهم، لأن الحكم القاطع على المواهب من الأعمال الأولى ينطوي على إجحاف شديد، وهناك أدباء عظام إذا قرأت الآن أعمالهم الأولى ستدرك أن الخطوات المبكرة لا تفصح عن كل قدرات الأديب. وقد حذر أنطون تشيخوف مبكرا من " تحطيم الأجنحة الشابة"، لذلك يحق للشبان أن يفرحوا وعلينا أن نفرح معهم بأعمالهم حتى لو لم توافق هوانا. من ناحية أخرى فإن المشكلة قد لا تكون في الأدباء ولا في أعمالهم لكن أيضا في القراء الذين كفوا من زمن عن القراءة. وقد تعرض عبد القادر المازني لتلك القضية بأسلوبه الساخر حين كتب عام 1924 في مقدمة كتابه" حصاد الهشيم" يقول: " هذه مقالات مختلفة.. وقد جمعت الآن وطبعت، وهي تباع المجموعة بعشرة قروش لا أكثر . ولست أدعي لنفسي فيها شيئا من العمق أو الابتكار أو السداد، ولا أنا أزعمها ستحدث انقلابا فكريا في مصر ، أو فيما هو دونها ، ولكني أقسم لك أنك تشتري عصارة عقلي وإن كان فجا ، ومجهود أعصابي وهي سقيمة، بأ بخس الأثمان ! وتعال نتحاسب: إن في الكتاب أكثر من أربعين مقالا تختلف طولا وقصرا وعمقا وضحالة، وأنت تشتري كل أربع منها بقرش! ثم أنك تشتري بهذه القروش كتابا هبه لا يعمر من رأسك خرابا، ولا يصقل لك نفسا، فهو على القليل يصلح أن تقتل به ساعات الملل، أو هو على الأقل زينة على مكتبك، على أنك قد لا تهضم أكلة مثلا فيضيق صدرك وتشعر بالحاجة إلي التسرية وتلقى أمامك هذا الكتاب فالعن صاحبه وناشره ما شئت! ثم أنت بعد ذلك تستطيع أن تبيعه وتنكب به غيرك! أفقليل كل هذا بعشرة قروش؟"!
وقد مر على سطور المازني تلك مئة عام لم تختلف خلالها علاقة القراء بالأدباء وكتبهم! وهي العلاقة التي زادها تعقدا مؤخرا ارتفاع كلفة الطباعة مع غزو الثقافة المرئية وما أتاحته من التلقي السهل السريع للمعلومات والأفكار علاوة على نسبة الأمية المرتفعة بين السكان. أضف إلى ذلك استغراق الأدب في معظمه في التفتيش عن" الهموم الذاتية"، والتراجع الواضح في العلاقة بين الأدب وقضايا المجتمع ومشكلاته، مما أدى إلى انصراف القراء عن اعمال لا تتناول هموم الحياة. وبذلك الصدد كتب بريخت يقول : " لماذا يهتم الناس بكلماتي إذا كانت كلماتي لا تهتم بهم؟!". إذن نحن أمام ظاهرة أكبر من التناول المحصور في تسخيف كتب لا يقرأها أحد أو صور من يضمون كتبهم إلى صدورهم أمام عدسة المحمول. القضية أكبر من هذا، وهي ذات جوانب متعددة ، آخرها القاء اللوم على المحاولات الأولى للشبان. وربما آن الأوان لكي يصرخ الشبان في وجوه القراء :" عيب كده .. احنا بنكتب" ! لعل الصوت يصل إلى الآخرين، وحتى ذلك الحين علينا أن نفرح بالكثير مما نتفق أو نختلف معه، وأن نبارك الخطوات الأولى ونشد على أيادي المبدعين.