أكرم القصاص يكتب: الاقتصاد والأسعار ومنصات سوداء.. أزمة ومواجهة وثلاث شائعات!
ما جرى خلال الأسبوع الماضى، نموذج يكشف عن حالة تعمد لإثارة الفزع، وهو إفزاع يخدم المحتكرين، وأيضا تكرار واضح لحملات وتريندات تنطلق بلا أساس، وتستغل الوضع لمضاعفة القلق وإشاعة الارتباك، ثلاثة نماذج لهذه الأخبار المزيفة تؤكد أن الأمر يتجاوز الخوف على مصالح الناس، إلى مضاعفة إحساسهم بأزمة لا أحد ينكرها، وعرقلة خطوات من شأنها معالجة الوضع، وضبط الأسواق والأسعار بشكل يتناسب مع الأسعار العادلة والطبيعية.
أول خبر غير صحيح، أو شائعة كانت عن تغيير حد السحب الأقصى من البنوك، ليكون 150 ألف جنيه، والحقيقة أن هذا الرقم معروف ومحدد بحد السحب فى اليوم منذ عام 2022، بعد أن كان البنك المركزى - وقت كورونا - قد حدد حد السحب اليومى بـ20 ألف جنيه، ثم 50 ألفا، وبالرغم من أن هذا الرقم معلن، فقد نشرت بعض المنصات السوداء أن البنك المركزى اتخذ قرارا، وبالفعل أعلن البنك المركزى - فى بيان له - «أنه بشأن ما تداولته بعض الصحف ووسائل التواصل الاجتماعى بخصوص صدور تعليمات جديدة من البنك المركزى بوضع حد أقصى للسحب النقدى اليومى من الحساب الواحد للعميل، أو جميع حساباته، يود البنك المركزى التأكيد على عدم صدور أى تعليمات جديدة بخصوص السحب النقدى، وأن التعليمات الصادرة بتاريخ 25 أغسطس 2022 والخاصة بزيادة الحد الأقصى اليومى لعمليات السحب النقدى للأفراد والشركات من 50 ألف جنيه مصرى إلى 150 ألف جنيه مصرى، هى التعليمات السارية حاليا دون تعديل».
المفارقة أن بعض المحسوبين على رجال الأعمال، نشروا هذا على مواقع التواصل، إما لسوء فهم، أو لرغبة فى ركوب أى تريند، ومن دون تفكير، هذا إذا أخذنا حسن النية فى الاعتبار، لكن الحقيقة أن الخبر أصاب سوق المال بالارتباك، واضطرت الحكومة والبنك المركزى لإعلان أنه لا قرار بذلك وأن الأمر معلوم منذ عامين وهو أمر متعارف عليه فى كل العالم وليس بدعة.
الخبر الثانى، أو الشائعة، تزامن مع آخَر من المنصات ذاتها، منسوبٌ للجاهلين ببواطن الأمور، أن لجنة السياسات البترولية سوف تجتمع لترفع أسعار المواد البترولية، وتم نشر قوائم مزيفة بالأسعار المزعومة، وسارع المركز الإعلامى لمجلس الوزراء بنفى ما تداولته المنصات السوداء، ونقل عن وزارة البترول نفيها تلك الأنباء، مؤكدةً أنه لا صحة لزيادة أسعار المنتجات البترولية، وأن القائمة المتداولة مزيفة، وغير صادرة عن أى جهة رسمية، وأن أسعار كل المنتجات البترولية المعمول بها - وفقاً لقرار لجنة التسعير التلقائى للمنتجات البترولية فى اجتماعها الأخير بتاريخ 3 نوفمبر 2023 - ثابتة دون تطبيق أى زيادات عليها.
الخبر الثالث المزيف والمتزامن من المنصات والحسابات ذاتها، عن اجتماع لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزى، الذى انعقد أمس الأول الخميس، وتم إعلان أن البنك المركزى سيتخذ قرارات تتعلق بتغيير سعر العملة مقابل الدولار، وجاء قرار اللجنة خاليا من أى تعديلات باستثناء سعر الفائدة، حسب دراسة الحال، وهى سياسة متبعة فى كل البنوك المركزية، بعد اجتماع البنك الفيدرالى الأمريكى، الذى أعلن تثبيت سعر الفائدة، وأوضح فى اجتماعه الأربعاء الماضى، أن خفض معدل الفائدة قادم، لكن ليس قريبا كما كان يريد المستثمرون، وقالت «فايننشال تايمز» إنه بعد عامين من الاضطرابات، ونوبة التضخم المتفشى الذى فاجأ مسؤولى البنك، قرر الاحتياطى الفيدرالى تأجيل ما وصفته بواحدة من أكثر دورات ارتفاع أسعار الفائدة دراماتيكية منذ عقود، وأبقى على معدل الفائدة فى أعلى ارتفاع منذ ما يقرب من 23 عاما بين 5.25% و5.5%، ومع عدم توقعات الرفع فإن «الفيدرالى» ليس مستعدا للخفض، انتظارا لثقة أكبر فى خفض التضخم عند الهدف الذى حدده البنك بـ2%، قرار الفيدرالى ينعكس على كل البنوك المركزية فى العالم لمواجهة التضخم فى كل دولة.
الشائعات الثلاث أثرت على سوق المال والبورصة، خاصة أنها انتشرت من مئات الحسابات المجهولة، لتردد ما يوجه لها من مستنقعات، مع فيديوهات منسوبة لمواطنين بإسكريبتات موزعة لممثلين فاشلين، يعيشون فى الخارج، يساندهم عبيد التريند وعشاق اللايكات كالعادة، ومنهم رجال أعمال بالغون راشدون يفعلون ذلك بجهل أو سوء نية.
ولا يعنى هذا عدم وجود مشكلات تحتاج إلى حل، لكنها ضمن حالات ودول أخرى تسعى لمواجهة التضخم وارتفاعات الأسعار، ومنها دول كبرى اقتصاداتها أضخم، لكن المنصات تترك هذا وتركز على مصر، والهدف ليس صالح المواطن، لكن إثارة المزيد من القلق والارتباك، خاصة أن الشائعات تدعم المزيد من ارتفاعات الأسعار، وتغذى السوق السوداء التى تضاعف أرباحها بناء على إثارة القلق والخوف ورسائل تنصح بالشراء والتخزين، وهو ما يستغله تجار الأسواق السوداء، ليحققوا أرباحا مضاعفة.
بالطبع فإن الدولة تتحرك باتجاهات مختلفة، وتتخذ إجراءات وتخطو خطوات، وتجرى حوارات مع خبراء، وتلك الخطوات هى نفسها تتحول - مع المنصات السوداء - إلى مجال للتلاعب، وإذا كان المواطن معذورا أمام هذا الكم من الشائعات، فإن استمرار المواجهة والشفافية وإعلان الحقيقة - أيا كانت - تساهم فى طمأنة الناس، بجانب إجراءات مواجهة السوق السوداء، والمحتكرين والمتلاعبين، الذين يستغلون الأزمات، لكن حملات الرقابة للضبط، وتشديد العقوبات من شأنه أن يضبط الأسواق ويطمئن الناس، ونؤكد أن الفارق كبير بين الشعور بأزمة مع السعى لمواجهتها، وبين الاستسلام لمنصات سوداء، تضاعف القلق ولا تقدم حلا.
نقلا عن اليوم السابع