جلال عارف يكتب: إنسانية أمريكا.. وأسلحتها!
حتى المحاولة البائسة لإظهار أمريكا بوجه إنسانى يسعى لإدخال المزيد من المساعدات إلى غزة.. تنسفها أنباء الاتفاق بين نواب الكونجرس من الحزبين الديمقراطى والجمهورى مع البيت الأبيض على مشروع قانون لاستمرار منع التمويل عن منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» لعام آخر على خلفية الحملة المزعومة من إسرائيل التى لم تقدم دليلا واحدا على صحتها حتى الآن!!
من البداية لم يكن ممكنا إقناع العالم بأن «إنسانية» أمريكا لا تتحمل أن تضرب المجاعة كل الفلسطينيين فى غزة، وفى نفس الوقت تستمر فى مد إسرائيل بالأسلحة التى تقتلهم، وترفض كل محاولات إيقاف الحرب، وتظل عيونها مغلقة «لا تري»، فى كل ما يجرى فى غزة دليلا على الإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل«!!»
الآن.. ومع استمرار حصار «الأونروا»، فى وقت تحذر فيه كل المؤسسات الدولية من خطر المجاعة، تسقط حكاية «الإنسانية»، المزعومة من أمريكا، وتبقى فقط الشبهات حول رصيف الميناء الذى تبنيه فى غزة، والجدوى الحقيقية من الإغاثة بحرا أو جوا بينما توضع العقبات أمام عبور الشاحنات من معبر رفح بصورة تقول الأمم المتحدة إنها تشكل «جريمة حرب»، من جانب إسرائيل.
يبدو أن الولايات المتحدة لا تدرك - حتى الآن- حجم الخسارة التى لحقت بها بسبب انحيازها غير المحدود لإسرائيل وهى تشن حرب إبادة غير مسبوقة على شعب فلسطين. ربما تفرض اعتبارات «الموسم الانتخابي»، فى أمريكا بعض التحركات لمواجهة الغضب الشعبى المتنامى من الدعم اللا محدود لحرب الإبادة الصهيونية.. وربما تستدعى الإهانات المتكررة من نتنياهو لبايدن ردا لحفظ بعض الكرامة.
وربما تفرض التحذيرات من السقوط السياسى والأخلاقى الذى تواجهه واشنطون فى المنطقة، والعزلة التى تعيشها السياسة الأمريكية وسط عالم لم يعد يتحمل عبء المذابح الإسرائيلية والضعف الأمريكي.. لكن كل ذلك لا ينفى الحقيقة الأساسية وهى أن جوهر الموقف الأمريكى يظل كما هو: دعم كامل لإسرائيل، ورفض لكل محاولات إنهاء الحرب وإيقاف المذبحة، وشراكة تستدعى البحث عن أفضل الوسائل لقتل الفلسطينيين أو تجهيرهم دون المزيد من استفزاز العالم!
خلال يومين يفترض أن يقدم وزير الخارجية الأمريكى «بلينكن» لمجلس الشيوخ تقريرا يوضح فيه ما إذا كانت إسرائيل قد التزمت باستخدام السلاح الأمريكى وفق قواعد القانون الدولى وأحكام القانون الأمريكي. وبغض النظر عن موقف النواب من الحزبين فإن ما سيقدمه الوزير سيكون كاشفا ومهما.. هل سيقول إن الأسلحة الأمريكية قصفت المستشفيات وطاردت الجوعى وهم ينتظرون بعض الطعام، وقتلت أكثر من ٢٥ ألف طفل وامرأة حتى الآن؟ وهل سيقول إنها ستكون جاهزة للمشاركة فى «السيناريو»، الذى ستتفق عليه أمريكا مع إسرائيل للتعامل مع مليون ونصف المليون مدنى فى «رفح»؟
بالتأكيد.. سيتجاهل «بلينكن» كل ذلك ليؤكد أن كل شئ على ما يرام، والسلاح الأمريكى يتفوق على الأسلحة التى تنتجها الورش البدائية فى غزة«!!» وسيقول إن ما يشغله هو استئناف مسيرة التطبيع المجانى أو «السلام الإبراهيمي»، المزعوم، متجاهلا بحر الدماء الذى سال، وحجم الكراهية الذى أصبح على أمريكا «وتابعتها إسرائيل» أن تواجهه.
مأساة الإدارة الأمريكية الحالية إنها حولت الدعم التقليدى لإسرائيل إلى «شراكة» فى إبادة جماعية لشعب بأكمله. وكل الأقنعة لا تخفى الجريمة، ولا تمنع الحساب.
نقلا عن اخبار اليوم.