يوسف القعيد.. يكتب.. يحدث فى مصر الأن..التعايش مع المجهول
كيف سيتأقلم المصرى مع التعايش مع المجهول الذى يمثله الوباء الذى يمكن أن أصفه بالقاتل والخطير والمحير؟ كيف سَيُّعَوِّد المصرى نفسه على البُعاد؟ والمصرى بطبعه يحب الونس ويشعر بالأمان وسط الآخرين ويقول: البركة فى اللمة.
ويصف من لا يحب ونس الآخرين بأنه «برَّاوى» وهى كلمة لا تعنى أنه وحيد بقدر ما تشير لأنه برَّاوى. وهو من يمكنه أن يحيا فى البر بمفرده. سعيداً بوحدته. راضياً عن عزلته. لا يتعامل معها باعتبارها قدراً فرض عليه بقدر ما هى اختيار نابع من أعماقه. وهذا ما يجرى لعالم اليوم. يعانى سكانه من وباء أو جائحة بعد أن انقسم العلماء فى تسميتها.
البعض يصر على الوباء والآخرون يصفونه بالجائحة. وكلتاهما تشير إلى ما نعانى منه منذ أواخر ديسمبر الماضى. وعلى مجمع اللغة العربية الفصل بين الوصفين. أيهما أقرب لما نحن فيه. وأكثر تعبيراً عنه. اختلف الأطباء وقال كل منهم رأيا ربما يناقض رأى الآخر. مع أن الطبيب العالم يقف أمام كل كلمة قبل النطق بها.
ولكن الأمر تحول إلى مزاد يومى وصالة إعلان عالمية بين الأطراف. العلماء يقولون ما يتصورون أنه صواب. فى حين أن الساسة يُسخِّرون الأمر لما يحلمون به لشعوبهم. وعلى الرغم أن ما نعانى منه وباء لم تعرفه البشرية من قبل. وكل وباء من الأوبئة التى مرت بالتاريخ الإنسانى كان فى مرته الأولى غير معروف. ويتم التوصل لعلاج له - وهذا ما جرى مع كل الأوبئة السابقة - بعد أن يسكن خانة الماضى التام.
أصبحنا نلهث مع كل نشرة أخبار أمام أرقام الشهداء. الذين نسميهم خطأ بالضحايا. ونعالج المصابين الذين يجب أن نشير لهم بالجرحى. يبدو من أمواج التصريحات التى نسمعها فى كل لحظة. ورغم الاختلافات الفردية. إلا أن هناك شبه اتفاق على أن الأمر قد يطول. ثمة اختلافات فى المدة التى قد يستغرقها. والاختلافات مشروعة. لأن الاختلاف قد يوصلنا إلى الصواب فى النهاية.
وباء أو جائحة لم نعرف له سبباً ولا علاجاً. ثمة أعراض قد تشترك مع أعراض أمراض أخرى. وثمة حالة سباق بين معامل وأبحاث وعلماء تحاول أن تجيب عن أسئلة تطرق عقل كل إنسان على وجه الأرض الآن. ولا يقل لى أحد أنه غير معنى بالوباء لأننى لن أصدقه.
كان المثل يقول: كلنا فى الهم شرقُ. والآن لابد أن نُعدله: العالم فى هلع ورعب وفزع بكل سكانه. أياً كان المكان الذى يعيشون فيه. طبعاً هناك اجتهادات لا تنكر فى الدنيا. وفى مصرنا العزيزة الغالية ثمة توحد فى مواجهة هذا الخطر. والقلوب يعتصرها الألم كل صباح مع أعداد الشهداء. ويلف حولها القلق مع أرقام المصابين. ويداعبها الأمل عندما نصل إلى من تم شفاؤهم.
فى تراثنا القديم عبارة تقول: اشتدى يا أزمة تنفرجى. وها نحن نرددها فى مواجهة هذا الذى يراد الفتك بنا من خلاله. وحتى عندما تحتفظ بالمكان الذى تقف فيه. فهذا معناه أنك لم تتراجع للخلف. مع أن التقدم للأمام أمر حتمى مهما كانت خطورة الوباء. أنت خط الدفاع الأول.. نقلا عن بوابة اخبار اليوم