مـــيــلانــي كـــلايــــن .. الـــحــب والــكــراهــيـــة - أحمد الخميسي
الحب والكراهية مشاعر تشغل القلب وأحيانا غير قليلة تقود حياة الفرد كلها وتحيلها إلى جحيم أو جنة. هما شعوران مختلفان بطبيعة الحال، لكن كما لاحظ سيجموند فرويد عالم النفس المعروف فإنه : " كثيرا ما يتجه الحب والكراهية في الوقت نفسه نحو موضوع واحد بعينه". وبعبارة أخرى فإن الحب والكراهية يمثلان اهتماما شديدا بالموضوع، حارا، وطاقة انفعالية تصب في موضوع، لكن الانسان لا يعترف تقريبا إلا بالحب، إنه يجتهد لتجاهل حقيقة الكراهية، وهو يمجد الحب، ويكتب فيه القصائد، ويلونه، ويجعله حلما. في ذلك السياق يقول الكاتب الروسي العظيم دوستيوفسكي:" ما هو الجحيم؟. إنه المعاناة الناجمة من عدم القدرة على الحب"، أي أن الحب مصدر كل طاقة ايجابية تتفتح بها قدرات الانسان على القيام بالمستحيل، خلافا للكراهية التي يجتهد الانسان قدر الامكان ليدفع بها وبفكرتها بعيدا ساعيا ليقلل بصورة لا شعورية من وجودها وليزيحها إلى خارج حقل الرؤية، بل ويلجأ في سبيل ذلك إلى" إسقاط" الكراهية التي تظهر داخله على مواضيع أو أشخاص آخرين، وحين يشعر المرء بالكراهية أو الحسد والغيرة، فإنه يتهم الآخرين بتلك المشاعر السلبية لكي ينفيها عن نفسه. إلا أن ميلاني كلاين، المحللة النمساوية ترى أن الكراهية شعور ملازم للبشر في كتابها " الحب والكراهية" ترجمه د. وجيه أسعد. وتحاول ميلاني في كتابها مع جوان ريفيير توضيح تأثير ودور الحب والكراهية من الناحية العملية والنفسية في حياة الإنسان، ونظرا لأن اهتمام ميلاني كلاين الرئيسي كان موجها دائما نحو علم نفس الأطفال، فإنها ترد الشعورين : الحب والكراهية إلى طفولة الانسان، وعلاقته بأمه بصفتها مصدر الحياة والمتعة الأولى، وما تشتمل عليه علاقة الطفل بأمه من تعقدات سبق لفرويد أن تناولها، إلا أن ميلاني تحاول أن تضع يدها على الآليات التي تعمل في اللاشعور باتجاه الحب والكراهية، وتبدأ بأن ترد الحياة الوجدانية للانسان بأكملها إلى غريزتين: الأولى هي الجوع وما يمثله من السعي للحفاظ على البقاء، والغريزة الثانية هي الجنس وما يمثله من نزوع إلى الحياة والمتعة. وترى عالمة النفس النمساوية أن هاتين الغريزتين هما مصدر الانفعالات العميقة التي تشكل ما نسميه سعادة أو شقاء. وتقر ميلاني بوجود الكراهية وبدورها الفعال، وتقول إنه إذا كانت الكراهية قوة تدمير وتفكيك مرتبطة بالعدوانية، فإن الحب أيضا يمكن أن يرتبط بالنزعات العدوانية، بل وترى المؤلفة أن غريزة المحافظة على البقاء وغريزة الحب، تحتاجان إلى جرعة عدوانية. وعلى سبيل المثال فإن كل علاقات الحب تستلزم درجة من التبعية للمحبوب، ويثير شعور الانسان بهذه التبعية مشاعر عدوانية وكراهية في معظم الأحيان. وخارج علاقات الحب يمكن أن نلاحظ مشاعر مختلفة هي درجات من الكراهية مثل الغيرة والحسد والشعور بالمنافسة الشديدة وغير ذلك. في كل الأحوال من الطريف أن نقرأ عن الحب والكراهية، وأن نحاول أن نفهم تلك المشاعر، لكن علينا خلال ذلك أن نتذكر قول الأديب العظيم أنطون تشيخوف: " إذا كان بوسعك أن تحب، فإن بوسعك أن تفعل أي شيء". نعم. يبقى الحب أقرب إلى قلوب الناس من الكراهية، ويبقى طاقة تفاؤل ونجاح ونور وآمال لا تنتهي، وشعورا وحيدا قادرا على القلاع الموصدة.