كرم جبر يكتب: أم كلثوم .. سيدة الإبداع
أم كلثوم التى غنت للملك فاروق «يا ليلة العيد أنستينا»، هى نفسها التى غنت لجمال عبدالناصر بعد هزيمة يونيو "ابق فأنت حبيب الشعب"، وتبرعت للمجهود الحربى، لتثبت للجميع أن الفنان ملك لمصر، وهو رسول التصالح والإنسانية، يوحد ولا يفرق، ويطير عالياً فوق الخلافات السياسية.
وهذا هو الدور الحقيقى والجذور الضاربة فى الأعماق، والتى تستحق الإشادة والتدوين ليعلم الجميع أن هذا الوطن هو محراب الفن وقبلة الفنانين، ولم يتأخروا يوما عن واجبهم الوطنى، ولو كتبنا القليل عن أم كلثوم، لاحتاج ذلك آلاف الصفحات.
وأتجول فى حديقة الزهور المتفتحة لأغانى أم كلثوم، وكيف التقت بمحمد عبد الوهاب فى «إنت عمرى»، بوساطة الرئيس جمال عبد الناصر، بعد قطيعة استمرت سنوات طويلة، وكان بحق «لقاء القطبين».
والرائع رياض السنباطى أمير الملحنين الذى تفتت ألحانه الصخر فى القلوب، الذى التقى بالفتاة الريفية أم كلثوم فحركت فى أعماقه ملكة التلحين وروعة الألحان، وكان مستهل العشق أغنية «على بلد المحبوب ودينى».
وأعشق أم كلثوم خصوصاً عندما تشدو «ولما أشوفك يروح منى الكلام وأنساه»، فهى تلخص مشاعر إنسانية سامية، تصعد بالعشق والعاشقين إلى فضاء الروحانية والتفانى والجمال.
وفى قصيدة «أراك عصى الدمع» مقطع تقول فيه «فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى قتيلك.. قالت: أيهم فهم كُثُر»، فبقيت أياماً أبحث عن هذه المرأة التى عذبت كاتب القصيدة أبا فراس الحمدانى، وقالت له هذا الكلام المهين.
وأبو فراس شاعر وقائد عسكرى وأمير الدولة الحمدانية المتوفى عام 968م وقتل فى إحدى المعارك.. فمن تلك المرأة التى تحتقر هذا القائد العظيم؟.. لم أعثر على إجابة.
وعندما أستمع لأغنية أهل الهوى، خصوصاً مقطع «أهل الهوى يا ليل سابوا مضاجعهم واتجمعوا يا ليل صحبة وأنا معهم» تذكرنى بالشتاء، والمقهى الزجاجى الشهير فى شارع عماد الدين الذى كان يجمع أم كلثوم وعبد الوهاب وكامل الشناوى وغيرهم من نجوم الفن والصحافة.
أتذكر حكاية عن فاتنة السينما الراحلة كاميليا، عندما دخلت عليهم فى المقهى، فقالت أم كلثوم لكامل الشناوى «ألم ينزل عليك وحى الشعر بسبب جمال كاميليا»، فكتب الشناوى على رخامة المقهى إحدى قصائده وأمسك عبد الوهاب بالعود، وظلت أم كلثوم تغنى حتى الصباح.
«حانت الأقدار» لطاهر أبو فاشا الذى أعتبره من أعظم شعراء الصوفية المعذبة، ويصل صوت أم كلثوم قمة الشجن وهى تشدو على ترانيم «رابعة العدوية».. «وفى كل شيء يلوح الهوى.. ولكن لمن ذاق طعم الهوى».