أحمد الخميسي يكتب: قراءة الفنجان.. بين الإعلام والإعتام.
منذ أيام قلائل صرحت ليلى عبد اللطيف، التي تقدم نفسها للإعلام بصفتها " خبيرة فلكية، ومتنبئة" بأنها تتوقع أن يتفشى في المنطقة العربية وباء شبيه بالكورونا، وتوقعت أن تتحول جنازة أحد الرؤساء خلال تشييعها إلى مسرح جريمة كبرى، وأوضحت من باب الدقة: "أننا سنشهد ذلك على شاشات التلفزيون"، وبالمرة توقعت انفصال الفنانة ياسمين عبد العزيز عن زوجها. بسم الله ما شاء الله، يعني كل شيء مكشوف لها بأصغر التفاصيل من وفاة القادة إلى انفصال الأزواج حتى مقدار المبلغ الذي سيقترضه الأستاذ حسين عبد المولى من زميله الاستاذ خلف الله في وزارة الأوقاف لتزويج ابنته. والحق أن مثل هذا الهراء لم يعد نادر الظهور للأسف. ولست ألوم السيدة الخبيرة الفلكية، المطلعة على الغيب، قدر ما ألوم الاعلام الذي يبرزها، ويقدمها كأنها تقرأ الغيب ومن ذلك قناة "الجديد" اللبنانية وغيرها. والاعلام الذي يقدم لنا هذا النوع من الدجل المجاني يقوم بالإعتام على صور ونماذج أخرى مشرفة في حياتنا، فلا يقدم لنا المصرية نوسة الجبالي أول مصرية من قصار القامة تصبح بطلة العالم في رفع الأثقال في يونيو الحالي. لماذا لا نقدم مثل تلك الفتاة ونحتفي بها بدلا من الهراء والدجل؟ انظر أيضا أنه في مارس هذا العام نجحت البعثة المصرية المشاركة في دورة الألعاب الأفريقية بالعاصمة الغانية أكرا في أن تنهي الدورة بالفوز بمئة واثنتين وتسعين ميدالية فاحتلت المركز الأول وتم تتويجها باللقب القاري. هل أجرت قنوات التلفزيون لقاءات وحوارات مع أبطال تلك الدورة ؟ كيف حققوا ما حققوه؟ كيف وصلوا إلى ذلك؟ لا. لا أذكر. أما الخبيرة الفلكية فقد أفرد لها الإعلام مساحات بعد مساحات، يغازل بذلك خوف الانسان من المجهول، وتطلعه لقراءة المستقبل، كما يغازل الرواج والانتشار بتقديم ما هو شيق وجماهيري. ولست ضد أن يقدم الاعلام ما تبحث عنه الجماهير، وما تعشقه، ولكن فلنقسم المساحات على الأقل لتصبح الحقيقة أيضا بارزة، فنرى إلى جانب ليلى عبد اللطيف صورة نوسة الجبالي. والآن أسألك أيها القارئ الكريم هل قدم لك الإعلام اسم محمد محمود إبراهيم؟ هل سمعت به؟ إنه شاب من محافظة الأقصر أحد المهندسين الذين شاركوا في صناعة وتشغيل أول قمر صناعي مصري، وهو من اخترع اول حاسب آلي فائق الاداء خاص لتشغيل الاقمار الصناعية ويحمل شعار صنع في مصر! لا لم يذكره الاعلام بحرف.. قام بالتعتيم عليه!
هناك بيت شعر للشاعر العظيم رسول حمزاتوف يقول: " على نفس المسمار يعلقون القيثارة ويعلقون الخنجر". الإعلام أيضا يمكن أن نعلق عليه قيثارة تصدح بمنجزات شبابنا، ويمكن أن نعلق عليه أحاديث الخبيرة الفلكية الست ليلى عبد اللطيف على سن ورمح.