أحمد الخميسي يكتب: تامر أمين في تعليم البنات والبنين
عندما أنشأ محمد علي في عام 1825 أول مدارس تجهيزية ( ثانوية) كان طلاب تلك المدارس دراسة تجمع بين الفنون الحربية والعلوم الأدبية معا، ويتضح من ذلك الإدراك المبكر أن العلوم التطبيقية الخاصة بالمدافع والأساطيل وغيرها تتكامل بالمعارف من آداب وفنون ويشكلان معا نسقا متكاملا لفهم العالم وتغييره. وبعد نحو نصف قرن يصدر رفاعة الطهطاوي عام 1872 كتابه العظيم " المرشد الأمين للبنات والبنين"، وجاء فيه: " إن تربية الروح غذاؤها واحد وهو المعارف"، وكان الطهطاوي يقصد المعارف عامة، الانسانية من آداب وفلسفة وأيضا العلمية التطبيقية، ثم يأتي عام 1938مفكر آخر عظيم القدر هو طه حسين بكتابه " مستقبل الثقافة في مصر" ويجدد مرة أخرى الصلة الوثيقة بين المعارف الإنسانية والعلوم التطبيقية قائلا:" إن الاستقلال العقلي والنفسي لا يكون إلا بالاستقلال العلمي والفني والأدبي"، وبعد نحو مئتي عام يطل عيلنا تامر أمين مقدم برامج ليطرح نظرية أخرى في التعليم والثقافة قائلا:" بلاش الشعارات، خلينا في اللي بيأكل عيش، الطالب يدرس جغرافيا ليه؟ فلسفة ومنطق ح يعمل بيهم إيه؟ إيه الاستفادة من دراسة التاريخ ثلاث سنوات؟". وهناك في حديثه نقطتان، الأولى ربط التعليم بالعائد المادي، وقد رفض طه حسين ذلك المبدأ قطعيا وكتب يقول: " إن أزمة البطالة لن تعالج بإكراه الشعب على الجهل ". النقطة الثانية في نوادر تامر أمين أنه يفصل في التعليم بين العلوم الانسانية من تاريخ وجغرافيا وفلسفة والعلوم التطبيقية كالاتصالات وغيرها، وهذا الفصل يمثل تمزيقا لنسق واحد في تغيير وفهم العالم، نسق مبني على جناحي المعرفة الانسانية والتطبيقية. ولنذكر تامر أمين بأننا لكي نسترد طابا قمنا بالاستعانة بخبراء عظام في التاريخ والجغرافيا، كما استعانت أمريكا في حربها على العراق 2003 بإخصائيين في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا ومنهم ديفيد كيلكولن، ومونتجمري ميكفايت وغيرهما. وإذا كانت العلوم التطبيقية مثل الفيزياء هي التي مكنت البشرية من علم الذرة ثم تدمير هيروشيما بقنبلة من ذلك الاختراع، فإن المعارف الإنسانية، الآداب والفلسفة والفنون، هي التي كونت الضمير الذي احتج على الجريمة. والعالم بحاجة إلى العلوم وإلى الضمير معا، إلى الطائرات التي تخترعها العلوم التطبيقية وإلى أهداف سلامية للطائرات تراها وتنادي بها المعارف الإنسانية. إلا أن تامر أمين لا يرى التقاطع والتكامل بين المعارف الانسانية والعلوم التطبيقية. أما كلام تامر عن أن دراسة اللغة لا تحتاج لأكثر من شهرين، فإنه لغو تام، وأقول له إننا ندرس اللغة العربية منذ خمسين عاما ومازلنا لا نتقنها، أما إذا كان تامر أمين يقصد باللغة حدود الكلمات التي يستخدمها الجرسونات في خدمة الأجانب بشرم الشيخ فإنها طبعا لن تحتاج لأكثر من شهرين. وعامة فإن تامر يختزل كل شيء في نظرية: " خلينا في اللي بيأكل عيش". ولو أن كان الأمر كذلك فإن أبوابا كثيرة مفتوحة لأكل العيش لكن ينبذها احترام الانسان نفسه. الغريب أن دعوة تامر أمين ترافقت مع موجة الرقص المخزي في الجامعات، وتبين لي أن حديثه رقصة فكرية أبدع خلالها في هز الأفكار وترقيص الخواطر.