أحمد الخميسي يكتب.. مصر المحروسه.. ميت مليون بوسه
أحيانا لا يرى البعض في الزهور التي تتفتح سوى الشوك، أولئك أنفسهم من ينظرون إلى المحبة بعين الريبة، وعندما يسيل نهر تحت أبصارهم فإنهم لا يجدون فيه غير عكارة وزجاجات فارغة. هذه طبيعة شخصية أقرب إلى التكوين منها إلى المعتقد، هكذا استقبل البعض بروح سوداء قرار الكنائس المصرية فتح أبوابها لكل الطلاب" مسلمين ومسيحيين" لمراجعة دروسهم فترة انقطاع الكهرباء، وكتب البعض، والأدق أن نقول" كذب البعض" على صفحات التواصل أن هدف الكنائس من تلك الخطوة هو:" تنصير الشباب"! وكتب أحد عباقرة الكراهية يقول:"احذر بناتنا من الذهاب إلى الكنائس بأي شكل من الأشكال.. لأن الهدف الوقوف على ثغرة يمكن من خلالها اللعب على دينك"! يطل برأسه كل فترة هذا التيار الوضيع الذي يقوم بتسفيه وتبغيض كل خطوة تؤكد وحدة مصر في كل الأزمات على امتداد التاريخ، وهو تيار قديم للأسف، لا يتوقف عند تاريخ مصر منذ ثورة 19 حين كان الشيوخ يلقون خطبهم في الكنائس، والكهنة يلقون خطبهم في الجوامع، ولا يعبأ بأن تاريخ الثقافة والهوية المصرية ضفيرة من ابداع وحدة المسلمين والأقباط ، وعلى جدار ذلك التاريخ يلمع بحروف من ذهب اسم طه حسين بجوار سلامة موسى، واسم الأخوين شحاته وعيسى عبيد بجوار طاهر لاشين، ومحمد مندور بجوار لويس عوض، ويوسف شاهين مع صلاح أبوسيف، يوسف إدريس ويوسف الشاروني، بهاء طاهر وادوار الخراط، ماري منيب واسماعيل يس. لكن ذلك التيار الوضيع الذي تشبع بالبغضاء والعنف والعنصرية يجحد كل ما هو جميل ونبيل في حياتنا، وما إن تتفتح زهرة حتى ينظرون إليها قائلين:" يا إلهي.. ما كل هذا الشوك؟ ". وفي كل مرة تطل هذه الوضاعة النفسية والفكرية برأسها أتذكر على الفور ما كتبه بهذا الصدد الأزهري العظيم، المفكر النبيل، طه حسين في كتابه " مستقبل الثقافة في مصر" في باب :" التعليم الديني للأقباط " حين كتب ص 280 يقول : " ولعل الاختلاف بين المسلمين والأقباط في الدين أن يكون أشبه بهذا الاختلاف الذي يكون بين الأنغام الموسيقية فهو لا يفسد وحدة اللحن وإنما يقويها ويذكيها ويمنحها بهجة وجمالا". ولم يجد المصري العظيم في اختلاف الأديان سببا للكراهية والنبذ والعداوة، بل على العكس رأى في ذلك ما يمنح مصر" بهجة وجمالا"، تقوى بهما الوحدة الوطنية، وبالرغم من ذلك التيار الذي يثب من الكراهية إلى التكفير والقتل، فقد أثبتت الوحدة الوطنية المصرية أنها مثل الكرة كلما ضربوها لأسفل قفزت إلى أعلى، وكلما حاولوا اجتثاثها زادت تفتحا وتألقا، وذاع عطرها في كل ناحية. وفي أغسطس 2022 بعد أن حاول البعض حرق كنيسة إمبابة صرح البابا تواضروس الثاني في حوار مع قناة "اكسترا نيوز" بقوله: " لو أحرقوا الكنايس سوف نصلي مع أخوتنا المسلمين في المساجد" ! ولا ينسى تاريخ العسكرية المصرية تألق بطولة عبد المنعم رياض وبطولة أخيه باقي زكي يوسف، كما لا ينسى في حرب أكتوبر 1973 امتزاج دماء الجندي المسلم غريب عبد التواب بدماء أخيه الجندي المسيحي شنودة راغب، واستشهاد الاثنين متعانقين كأنهما صورة مرسومة بالدم والفداء لوحدة مصر الوطنية. تحية للكنائس وللمقرات العامة التي فتحت بعد ذلك أبوابها للطلاب، وتبقى مصر رغم أنف الكارهين هي مصر المحروسة بالمحبة بين ابنائها والتي لذلك تستحق ميت مليون بوسه كل يوم، وكل ساعة، وكل لحظة.