إيمان حسام تكتب: كراكيب النفس
لنتعرف أولا على معنى كلمة كراكيب، على ما يبدو أن فى حياتنا من الكراكيب ما يفوق التصور، فمفهومنا عنها قد يقتصر على الأشياء البالية التى لا نستخدمها ونهملها، فهي تشكل طاقة سالبة وراكدة تشغل مساحات مادية ونفسية وعقلية، وبالتالى فإن التخلص منها يعنى تحرير طاقة المكان والنفس وإعادة ترتيب عالمنا الخارجى والداخلى.
وفى الحقيقة، إننا فى ظل تعقد الحياة، وتوتر العلاقات وهشاشتها، أصبح لدينا الكثير من الكراكيب النفسية، فهو يمثل تزايد الحديث عن الحلم الذي نريد تحقيقه أو ربما يفسر هذا تزايد الشكوى من العلاقات المشوهة والرغبة في الخلاص منها، أيا كانت نوع هذه العلاقة.
يمكننا القول إننا نعيش فى عالم به آلات ضخمة لإنتاج الكراكيب الذهنية والنفسية، ولا نبالغ إذا قلنا إن وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة "فيس بوك" تعد أحد أخطر مصادر إنتاج وتوزيع واستهلاك هذا النوع من الكراكيب.
إن "فيس بوك" ليس مجرد مكان مزدحم بالكراكيب الذهنية والرمزية، ولكنه مصدر لا ينضب، وبمساهمة جماعية، وفى حين نعبر دائما عن رغبتنا فى وقف تدفق كراكيب "فيس بوك" إلى نفوسنا، إلا أن أغلبنا أصبح بلا إرادة فعلية للقيام بهذه المهمة، ربما يكون الخوف من العزلة والإنعزال هو السبب، وربما يكون السبب هو إدمان ثقافة الكراكيب.
يوجد أنواع كثيرة من الكراكيب النفسية والذهنية، حيث إنه يوجد داخل الإنسان دائما اضطراب داخلي نحو الأشياء مهما كانت سهولتها أو حتى صعوبتها، فمثلا تحديد الهدف وتنفيذه يساعد فيه تزايد الكراكيب التي نريد فعلها أو التخلص منها، يوجد داخل الإنسان اضطراب وكراكيب لا يبوح بها الشخص إلا لمن يسمعه ويقوم بتقويته عليها ليساعد في التخلص منها أو تنفيذها بسهولة على النقيض من الشخص الذي يحبط كل ما فيك، عندما لا يجد الشخص ما يسمعه ويتحدث معه فهذا يؤثر بالسلب على الشخص نفسه في أنه قد تصبح الكراكيب متزايدة داخله بطريقة تراكمية لا يستطيع تحملها بمفرده.
فمثلا الابن يحتاج إلى والده ليبوح معه بكلمات لا يستطيع قولها لشخص آخر غيره، فعندما لا يجد والده بجانبه يتجه إلى طريق آخر من الممكن أن يفشل فيه.
هذا كله يتطلب من الإنسان نوعا من أنواع الإرادة المتطلبة للتخلص من الكراكيب الموجودة داخل النفس الإنسانية.
إن الخلاص من الكراكيب، سواء كانت أشياءً لا نستخدمها، أو علاقات فقدت معناها، أو أشياء تؤرقنا ذهنيا ونفسيا، هى أمور لا تعني مجرد تنظيم الحياة داخل النفس وخارجها، ولكنها قد ترقى لأن تكون نوعا من "الخلاص"، والخلاص ليس رغبة وإنما إرادة، فقط علينا ألا نخشى فقدان أشياء ليس لوجودها معنى، وأن نثق فى أن غيابها قد يحررنا ويفتح مساحات كانت مغلقة، ويطلق طاقات كانت راكدة.